السقف

إظلام عام.
إضاءة على كاونتر استقبال فندق. على يسار الكاونتر جلسة، عليها راشد يقرأ جريدة. 
 
يدخل عبد الله للفندق.
 
عبد الله: - مرحباً.
 
موظف الاستقبال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
 
عبد الله: عندي حجز عندكم.
 
موظف الاستقبال: رقم الحجز الله لا يهينك؟
 
عبد الله: ر ج ل 2، (يضحك) وما حصلناه إلا بالواسطة.
 
موظف الاستقبال (بعد البحث): سوري يالأخو. لوحة سيارتك، قصدي حجزك، ما هو موجود في حاسبنا الآلي.
 
عبد الله: (مستغرباً): كيف؟!! أنا حاجز قبل ثلاثة أسابيع. انتم فندق خمس نجوم، والا شركة خطوط جوية؟!!
 
موظف الاستقبال: استرح يالحبيب. خلّني أحاول ألقى لك حل.
 
عبد الله يجلس في اللوبي، إلى جانب راشد.
 
عبد الله لراشد: مسّاك الله بالخير.
 
راشد: مسّاك الله بالنور.
 
راشد: لا. أنا حاجز قبل عشرين ألف مليون سنة.
 
عبد الله: لا تكون ضحية حجز مثلي؟!
 
عبد الله: يا دينا صور أنت!! ما يعرف لها إلاّ الديناصورات.
 
ناصر يدخل للفندق.
 
ناصر لموظف الاستقبال: هذا حجزي. أنا تعبان. عطني مفتاح غرفتي أرجوك.
موظف الاستقبال: معليش يا أستاذ. جانا وفد VIP بشكل مفاجيء. وفد أجنبي. لازم نضحّي. فيه شقق مفروشة جنبنا. تبغى ندبّر لك شقة؟!
 
ناصر: لا. أنا حاجز في هالفندق وما راح اسكن إلا فيه. هذي فوضى. فوضى. فوضى. (يصرخ) فوضى رسمية.
 
موظف الاستقبال: استرح مع الإخوان.
 
(ناصر يجلس مع عبد الله وراشد)
 
ناصر: حيا الله اللي ما لقولهم حجز.
 
راشد: حيّا الله اللي ما حجز من موبايل آدم عليه السلام.
 
عبد الله: اجلس يا ابن الحلال. كلنا ضحايا الـ VIP  في هالبلد.
 
راشد: ضحايا؟!! ليه كل هالتوتر اللي انتو فيه؟!! توتركم كبير. ما تلاحظون؟!!
 
ناصر: الله لا يلوم اللي يلومني. أنا تارك مصالحي وعيالي علشان هالولد اللي أبسجله بالجامعة. جايب 90% ويبغى واسطة. أقول له ادرس بالخارج، ادفع لك من الألف للياء، يقول ما أبغى إلاّ جامعتنا. الجامعة اللي لا تودي ولا تجيب.
 
عبد الله: كيف؟! كيف؟! كيف ما تودي ولا تجيب؟! قل انه يبغى الدشارة. عيالنا اليوم يبغون الدشارة: بالبرتقالة.
 
راشد: يرقص على البرتقالة، ثم يسأل: البرتقالة أبو صرة والا أم صرة؟!!
 
ناصر: عيالنا لا يعرفون أب من أبي. منهج لا يملك مخرجات تستحق الاحترام.
 
عبد الله: قصدك أن منهجنا غير جدير بالاحترام؟!
 
ناصر: لماذا هذه اللهجة العدائية؟! أنا لن أخاف منك. نعم. منهجنا الدراسي غير جدير بالاحترام. تعال. اقتلني.
 
راشد: تعوّذ من ابليس يا رجال. خلّونا نشوف الإيجاب في تجربتنا الوطنية في مجال...
 
ناصر: أي مجال؟! نحن لم نحقق إلى اليوم إنجازاَ نستطيع أن نفاخر به.
 
راشد: حرام عليك يا شيخ، كل هذه الإنجازات، ولم نحقق شيئاً.
 
عبد الله: أية إنجازات؟!
 
ناصر: إنجازات التعليم.
عبد الله: (يؤشر لناصر): شكل الرجّال علشان ما قدر ولده يدخل الجامعة، ما راح يعترف بالتعليم.
 
ناصر: ايه ما أعرف. بس ما هو عشان ولدي. عشان هالمساكين اللي يتخرجون بعد 16 أو 18 سنة دراسة وتعب، واذا سألتهم من الملك عبد العزيز، قالوا لك شارع بوسط الرياض! هذا تعليم هذا؟!! بلد في مرحلة نهضة حرجة، إلى الآن يدرّسون مكتبات. هالحين خريج الهندسة ما يلقى وظيفة إلا اذا توسطوا له نصف أعضاء مجلس الشورى، وين يبي يلقى خريج المكتبات شغل؟!!
 
عبد الله: ومن قال انه يدرس مكتبات؟! وراه ما دخل طب؟!!
 
ناصر: طب يا خريج هارفرد؟!! عيالنا يجيبون أعلى المعدلات، والكمبيوتر هو اللي يوجههم. ما في واسطة مالك إلاّ الكمبيوتر.
 
عبد الله: عذر البليد مسح السبورة.
 
ناصر: والله ما يمسح السبورة إلا أنت. نعنبو دارك ابتدائي ومتوسط وثانوي، ما عندنا إلا سبورة نكتب عليها، ونلقّن هالطلبة والطالبات.
 
عبد الله: هرجك مردود عليه يالامريكاني. مناهجنا مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله. انتم ما صدقتو على الله تهاجم أمريكا مناهجنا.
 
راشد: شوفوا يا جماعة. تجربة التعليم أفرزت رجال كبار في كل المجالات.
 
عبد الله: صادق. هالأطباء وهالمهندسين وهالوزراء، وين درسوا. وراكم ما هاجمتم منهجهم؟! هاه؟!
 
ناصر: يا ابن الحلال. حنا من السبعينات وحنا نصيح بأعلى صوتنا: يا ناس طوروا مناهجكم البغبغائية، ما أحد سمع لنا. طوروا مناهجكم التحريضية، ولا حولك أحد.
 
عبد الله: ما طورناها، وش صار؟! ما صار شي. هذا الخريجين والخريجات مالين الديرة.
 
ناصر: الخريجات؟! تقولها وكأنك تمن علينا. ناسي العذاب اللي تعذبناه علشان بناتنا يدخلون مجال التعليم. ناسي وإلا أفكرك؟!!
 
راشد: الماضي راح بكل سلبياته وايجابياته. حنا عيال اليوم، ولازم نعترف ان المرأة شقت طريقها ووصلت إلى أعلى المناصب.
 
ناصر: ومع ذلك إلى الآن ينظرون لها كحرمة. إلى الآن هي "هيش" و"أم العيال". لا واذا جت سيرتها، قال البعض الله يكرمك! (يوجه الكلام لعبد الله). قل لي بالله عليك، وش فيها اذا طلعت زوجتك بطاقة أحوال؟!! وش فيها اذا ساقت السيارة؟!!
 
عبد الله: والله انك بلا دم وبلا غيرة وبلا مرجلة. تبي تحط صورة زوجتك على بطاقة يشوفها اللي يسوى واللي ما يسوى؟! تبيها تركب السيارة وتزاحم الرجال في شارع التخصصي؟!!
 
ناصر: يا انكم متناقضين. توّك تفتخر بالخريجات، وهالحين ما عندي دم؟! لو زوجتك تبي تولد، توديها لدكتور يوّلدها؟!! وش فيكم مرعوبين من وجه المرأة؟! هذا وجه خلقة ربي. عاجبكم هالجرائم اليومية بسبب السواقين. كلكم تخلون زوجاتكم يختلون بالسواقين الأجانب اللي ما ندري من أي خلفية جايين، وبعدين تقعدون في وجه كل مشروع لصالح المرأة.
 
عبد الله: المرأة يا حبيبي هي فتيل أي فساد. اذا سمحنا لها بالبطاقة وبالسواقة اليوم، بكره تطالب بخلع الحجاب وبالمشاركة في الانتخابات.
 
ناصر: وانتم من انتم علشان تكونون أوصياء عليها؟!! وش مستندكم؟!
 
عبد الله: كتاب الله وسنة رسوله.
 
ناصر: كتاب الله وسنة رسوله اللهم صل وسلم عليه، عارفينه، قبل ما نشوف وجهك ووجه أمثالك. ترانا عيال فطرة، ولا يمكن نطالب بشيء يغضب رب العالمين.
 
(إظلام.. انتقال إلى جلسة أخرى، حيث يدور حوار مشترك بين الثلاثة، وتناول بعض المشروبات. ويتضح التعب من الحوار الذي دار).
 
راشد: والله يا جماعة إن حواركم جميل وثري، بس هالتوتر اللي الله يكفينا شره، يخلي الواحد يقول كلام... الله المستعان، الله المستعان.
 
عبد الله (يضحك): يا رجال. الواحد لو ما يفضفض ينفجر. شايف انت هالأوضاع اللي حنا فيها.
 
ناصر: أي والله. أوضاع اللهم يا كافي.
 
عبد الله: (يوجه الكلام لناصر): عاد تراكم معزومين عندي بالديرة، قريب منكم.
 
راشد: الله يسلمك.
 
ناصر: مشكور يالأخو. عسانا نلحّق اللي حنا فيه.
 
عبد الله: عليّ الطلاق من كهلتي، إن تقولوا تم.
 
ناصر (غاضباً): تطلق زوجتك علشان عزيمة؟!! شايف (يوجه الكلام لراشد).
 
راشد: يا رجّال قصده يتمم العزيمة.
 
ناصر: يتممها بخراب بيته؟ّ إلا والله هذا مجتمعكم الذكوري المتسلط. قسماً باللي رفع السموات، ما ترى الإرهاب ببلدنا إلا من وراء هالتسلط الذكوري.
 
عبد الله: الله الله الله. عشان عزيمة تطلعني إرهابي. ما بقى إلا تصورني بلحية وبدون لحية، وتطلعني في الجرايد مع قوائم المطلوبين.
 
ناصر: والله ان فيك بوهة واحد منهم، بس احمد ربك انه انقتل!
 
راشد: تعالوا يا جماعة الخير، ترى اللحية صارت نمط مشوّه اليوم. والله حرام. محمد اللهم صلي وسلم عليه وخلفاءه الراشدون وعموم الصحابة كانوا يعفون اللحية، وكانوا من رموز السلام والمحبة.
 
ناصر: عافاك. صح لسانك. لكن اليوم صارت سلطة قمعية. اللي يبي يتأمر على الناس، يطوّل لحيته، ويطيح في هالعالم أوامر ونواهي. وشوي يسوّي مطويّة وشريط، ويصير أمير جماعة.
 
عبد الله: اتق الله يا آدمي. هذا قذف بالدعاة.
 
ناصر: أنا متقي الله قبل ما أشوف وجهك. تعإلى أنا وإياك ندخل أي محل أشرطة دينية. اقرأ هالنشرات واسمع التسجيلات. كلها تحريض وتكفير. وهذا طبعاً باسم الدين، ولا أحد يقدر يسكّر محل واحد، هذه دعوة هذي. يا أخي من كفّر مسلماً فقد كفر. وجادلهم بالتي هي أحسن. وين ربعنا من هالقيم الاسلامية.
 
عبد الله: كأني اسمع مسؤول أمريكي.
 
ناصر: بوش. يا بوش. خلي كونداليزا تسوي عصير، وخلي رامسفيلد يجيبه لي.
 
عبد الله: لا. دخل باول يحط فيه شوية سكر. طبعاً هذولا هم اللي رفعوكم وعزوكم وخلوكم تعرفون تهرجون.
 
ناصر: لا وأنت الصادق. انتم اللي خليتوهم يفشخون علينا. رحتوا لهم في قاع دارهم وفجرتوهم، وش تبغاهم يسوون. يرقصون لك روك أند رول؟!!
 
راشد: رجعنا لموضوع تشويه اللحية. ما تعتقدون يا جماعة أن كل القصة ترتيب أمريكي.
 
عبد الله: لا يا الحبيب. إحنا فجرناهم ولعّنا والديهم.
 
ناصر: شفت (الكلام موجه لراشد) شفت. ما قلت لك؟!!
 
عبد الله: قلت وإلا ما قلت. الفساد هو اللي أفرز هالعملية.
 
راشد: الفساد موجود في كل مكان يالحبيب، هنا وفي امريكا وفي روسيا. لكنه ما هو مبرر للتفجير وقتل الأبرياء.
 
ناصر: واذا آمنا أن هناك فساد. عندكم برنامج للقضاء عليه؟!!
 
عبد الله: ايه. عندنا برنامج. سلّمنا الحكم وتشوف.
 
راشد: الله أكبر. كأننا في بلد علماني، ما كأننا في بلد الحرمين الشريفين وحكم الله ورسوله.
 
ناصر: يا رجال انتم حرمتم تعليم البنات. حرمتم الإذاعة. حرمتم التلفزيون. حرمتم الكمبيوتر والفضائيات. أي  برنامج تتكلمون عنه.
 
عبد الله: لكن تنكر اننا تفوقنا على هذه التحريمات واستغلينا كل اللي قلته لمصالحنا. شفنا هالحين: لنا قنوات فضائية ومواقع الكترونية، يعمل فيها شباب وشابات، ونقول فيها كل اللي ما تقدرون تقولونه انتم. انتم لكم عشرين سنة وانتم تخرطون، ما طلع منكم بطل جماهيري واحد. في المقابل شف كم بطل عندنا، سواءً في الجهاد أو في الفضائيات او في الانترنت. انتم يا حبيبي شاطرين في البربرة تحت هالمكيفات وفي هالفلل الفخمة وفي هالسهرات الحمراء. انتم معزولين عن الناس اللي تعيش في أسوأ الظروف، واللي طبعاً راح يكونون مع اللي يشتغل في أسوأ الظروف، مثل أبطالنا الأشاوس.
 
راشد: أنت طبعاً تتكلم بلسان أشخاص ما أنت مقتنع فيهم. ما اعتقدت انك يا هالرجل الصالح، تؤمن بقتل الأطفال والنساء تحت مسمى الجهاد.
 
عبد الله: أكيد أكيد، بس هالرجال بط كبدي، وتوطأ بطني، لازم أوريه شغله وأعرفه حجمه.
 
ناصر: حجمي أنا عارفه وأنا أخوك، لكن تعوّذ من ابليس ولا تروج مثل ها الآراء، لأن الخاسر الأول هو هالبلد اللي انت عايش من خيره.
 
عبد الله: الخير يصير خير، لما يسمع البلد حوارنا اللي قلناه، ويتحرك لقدام. أمس افغانستان واليوم العراق وبكره ما تدري الدائرة على مين.
 
راشد: خلاص يا جماعة. لا نرجع لنفس الدائرة انتم روحوا ناموا، وصباحكم وصباح هالبلد بخير.
 
عبد الله: وين ننام. ناسي اننا ما لقينا غرفة واحدة في فندق بلدنا؟!
 
ناصر: صحيح. ها الـ VIP صاروا يحتلون كل مكان، والعياذ بالله.
 
راشد: يا جماعة يا جماعة. أنا أبغاكم تطلعون لغرفتي (يعطي ناصر المفتاح). أنا لي أقارب ساكنين حول الفندق. راح أنام عندهم، وانتم ناموا في غرفتي، وبكره يحلّها الحلاّل.
 
(راشد يودّع ناصر وعبد الله ويبقى على المسرح)
 
(يخرج عبد الله وناصر)
 
(إضاءة سبوت على راشد)
راشد: طالما ها الاثنين يباتون بأمان تحت سقف واحد، فهم بخير وحنا بخير وبلادنا بخير.
                               
*قبل يومين من ختام الملتقى الأول للمثقفين في سبتمبر 2004م، طلب وزير الثقافة والإعلام من الصديقين ناصر القصبي وعبد الله السدحان، أن يقدما عملاً مسرحياً، وكان هذا مستحيلاً. استنجد الصديقان بي. فأعددت سكتشاً مسرحياً عنوانه "المناظرة الكبرى"، لأننا لو رفضنا فسنحرم المسرح من التواجد في هذا التجمع السنوي في الأعوام القادمة. ولما كان صعباً حفظ كل هذا الكلام خلال يومين، قررنا تغيير الفكرة ليكون الكلام أقل وبنفس الطرح. فكانت لوحة مسرحية أخرى عنوانها "السقف"، التي صدر قرار من الوزير بعد عرضها على المسرح، بمنع عرضها أو الإشارة لها في القنوات السعودية او القنوات المحسوبة على السعودية، بسبب الضجة التي أثرناها بعد العرض، سواء بين الجمهور الرجال أو الجهور النساء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أُقبِّلُ شَجرتَكِ مَضتِ السنّةُ الخامسة،  وهاهي شَجرتُكِ تكبر، بَذرْتُها في العاشرةِ وخمس دقائقَ من صباحِ الخميس، الثلاثين من شهر كانون الثا...