البعيد
قصة أطفال
قالت حنان لقطتها الصغيرة، وهي تمسح على شعرها الأبيض.
- أنا امك.
ردّت قطتها.
- لا. أنتِ لستِ أمي. كيف تكونين أمي وانتِ لا تشبهينني؟! انظري إلى امك، أليست تشبهك؟!
- بلى، ولكن أمي أحضرتكِ لي منذ أن كنتِ صغيرة جداً، مغمضة العينين، وقالت لي. هذه القطة الجميلة لكِ. صرت أعطيك الحليب بنفسي إلى أن كبرتِ. أهتم بمظهرك وأضع حول عنقك شرائط ملونة وألعب أنا واياكِ طيلة الوقت، تقفزين على سريري وعلى طاولة كتبي. كل هذه الأشياء تعلمها الأمهات لأطفالهن، لذلك يقول أبي أنكِ ابنتي.
- أعرف كل هذا يا صديقتي. أعرف أنكِ تضعين لي في غرفتك صندوقاً صغيراً بداخله وسادة بيضاء لأنام عليها، وأنك تطعمينني ما أحبُّ وتأخذينني معك لكل نزهاتك، وتجعلين كل صديقاتكِ يتعرفن عليّ ويمسحن على شعري، ولكنني لست ابنتكِ. أبوكِ وأمكِ يعرفان ذلك. أنا لي أم. أمي قطة مثلي، مثلما أمكِ انسانة مثلكِ.
- لكنكِ لا تعرفين أمكِ.
- هذا صحيح، لكنني يجب أن أعرفها.
- كيف؟!
- لا أدري. أريدكِ أن تساعديني يا صديقتي. أرجوكِ، ساعديني.
حملتْ حنان قطتها، ثم ذهبت إلى أمها بالمطبخ.
قالت حنان لأمها.
- أمي. أريدك أن تساعديني.
- فيمَ أساعدك يا حبيبتي؟!
- في البحث عن أم قطتي.
اندهشت الأم لهذا الطلب، فسألت ابنتها.
- ولماذا تريدين أن تبحثي عنها؟!
- لأن قطتي تريد أن ترى أمها. انها تقول ان كل طفل يحتاج إلى أمه.
تلعثمتْ الأم لبرهة ثم قالت.
- لقد وجدنا قطتك تحت شجرة، واعتقدنا أن أمها قد ماتت، لأن الأم لا تترك أطفالها.
لم تستطع حنان الرد على أمها، بل التفتت إلى قطتها. ورأت الدموع تتجمع في عينيها.
همست حنان في اذن قطتها.
- لا تيأسي. سنحاول بكل جهدنا.
ثم سألت أمها.
- تحت أي شجرة وجدتم قطتي؟!
فتحت الأم نافذة الصالة، وأشارت إلى شجرة كبيرة وبعيدة.
- هناك. أترين تلك الشجرة؟!
أجابت حنان.
- أجل.
في صباح الغد، خرجت حنان وقطتها خارج المنزل. مشت بين الأشجار إلى أن وصلت إلى الشجرة.
انطلقت القطة من بين يدي حنان وأخذت تتراكض في كل مكان، وحنان تركض خلفها.
لم يكن هناك أثر لأي مخلوقات باستثناء كوخ بعيد، بعيد جداً في وسط غابة من الأشجار.
قالت القطة لحنان.
- ربما تعيش أمي في ذلك الكوخ.
ردّت حنان.
- ولكنه بعيد والطريق اليه مخيف، وسوف تهاجمنا الوحوش.
حملت حنان قطتها، وعادت بها إلى البيت. وعندما وصلت، دخلت بها إلى الحمام وأخذت تحممها. وفي المساء وضعت حنان قطتها في سريرها، ثم بادرتها بالسؤال.
- لماذا تريدين الرحيل عني؟! هل مللت مني يا صديقتي؟!
- أبداً. ولكنني أريد أن أرى أمي.
- أينقصكِ شيء؟!
- لا ينقصني أي شيء. أنت تغمرينني بالحب والعطف والرعاية والدلال، لكن شيئاً ما يخفق في صدري عندما أرى أمكِ تحضنكِ.
- لقد حاولنا.
تنهدّتْ القطة ثم قالت.
- أجل. لقد حاولنا.
وبعد أن نام الجميع، نهضت القطة من سريرها وتوجهت إلى الصالة.
كان هواء الربيع يهبُّ من النافذة المفتوحة.
مرقتْ القطة من فتحة النافذة ثم ركضت إلى الشجرة البعيدة. وبعد أن وصلتها، استمرت في الركض باتجاه الكوخ البعيد، البعيد جداَ.
من مجموعة "البعيد في السماء"- قصص أطفال؛ تصدر قريباً.
المجموعة متوفرة كاملة في المدونة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق