أُقبِّلُ شَجرتَكِ
مَضتِ السنّةُ الخامسة،
وهاهي شَجرتُكِ تكبر،
بَذرْتُها في العاشرةِ وخمس دقائقَ من صباحِ الخميس،
الثلاثين من شهر كانون الثاني،
وأسميتُها "غيابكِ".
إنه الخميسُ مرةً أخرى،
يعود اليومَ ليلقي عليَّ تحيتَهُ،
ليسقي معي جذورَكِ،
يسقيها بماءِ اسمكِ الذي لا يزال يرتعشُ كلَّما غسلتُ به روحي،
لتزدادَ تعلقاً بذكراكِ.
في كلِّ يوم ذكرى،
أسترجعُ السنةَ التي انصرمتْ، فأجِدُ أغصانَ شجرتكِ تخضّر،
تخضّرُ بالأوراق،
كلُّ ورقةٍ تئنُّ بحرير كلماتي،
أَحيكُ بها سجادتكِ الأخيرة، لأصلَّي عليها مَعكِ.
في دقيقتكِ الأخيرة، حَرّكتِ يدَكِ بمشقةٍ باتجاهي،
كانتْ عيناكِ قد رحلتا منذُ أيامٍ بعيداً، ولم تعدْ تنظرُ إليَّ،
حضنتُ كفّكِ، همستُ لكِ: وداعاً، وبهدوءِ الملائكةِ، رحلتِ.
فاحَ في أرجاء العنايةِ المركّزة بخورٌ نفّاذ،
وصوتٌ خافت لتلاوتكِ للسوَر القصيرة التي لا تحفظينَ سِواها.
تنزع الممرضة الأنابيب عنكِ، وهي ترمق دموعي الجارية على بياض ملاءتكِ.
قبّلتُ كلّكِ؛ شعرك، وجهكِ، يديكِ، قدميكِ.
ظننتُ أنها قبلاتي الأخيرة،
لكنني إلى هذه اللحظة،
إلى العاشرةِ وخمس دقائقَ من يوم الخميس، من السنة الخامسة،
وأنا لا أزالُ أقبِّل شجرتكِ.
الرياض- 30 يناير 2025