قالت أمي.
- لقد انتقل عمّكِ من جدة الى الرياض، وسنذهب ُ لزيارته غداً.
سألتها.
- وهل لديه أطفال؟!
ترددت أمي قبل أن تجيب.
- أجل.. لديه طفلة واحدة.
- وكم عمرها؟!
مسحتْ أمي شعري بكفها.
- إنها في نفس عمرك.. لكنها..
- لكنها ماذا يا ماما؟!
- أقصد أنها.. أنها ليست مثلكِ..
- كيف؟!
- إنها...
تلعثمت أمي قليلاً.
- إنها.. ليست مثل كل الأطفال.
حضنتني أمي بقوة ثم نظرت في عينيّ.
- إنها تحتاج للحب والحنان.. تحتاج لأصدقاء مثلك.
دخلنا بيت عمي، فاستقبلنا بحفاوة.
أخذتنا خالتي الى صالون البيت، وهناك شاهدتُ طفلةً صغيرةً جميلةً في مثل سنّي، لكنها تجلس على كرسيّ له عجلات على جانبيه.
جلستُ الى جانب أمي وعيناي لا تفارقان الطفلة.
نادتني خالتي.
- تعالي يا ليلى، سأعرفُكِ على ابنة عمك نجلاء.
شعرت بالخوف قليلاً لكنني تشجّعتُ حين تذكرتُ كلام أمي لي في البيت.
- انها تحتاج لأصدقاء مثلكِ.
أخذتْ خالتي بيدي واقتربنا من نجلاء.. قالت خالتي لها.
- هذه ليلى يا نجلاء ابنةُ عمكٍ.
ضغطت نجلاء برجليها على الأرض، وكأنها تريد أن تقترب مني.
- صافحي نجلاء يا ليلى.
مددتُ يدي لها، فأخذ ذراعها يرتعشُ دون أن تستطيع رفع يدها.
أمسكتْ خالتي يد نجلاء ثم رفعتها لي.
صافحتُ نجلاء فابتسمت، وابتسمتُ أنا لها.
كان على الأرض مجموعة من الألعاب التقطتُها وجلست الى جانب كرسي نجلاء ثم بدأنا نلعبُ سوياً.
قالت لي نجلاء.
- أنا أحب أن ألعبَ لعبةَ لغز المكعبات.
قلت بدهشة.
- أنا لا أجيدها. إنها صعبة.
- لكنني أحبها يا ليلى، وألعبُها دوماً مع أمي.
وأضافت نجلاء.
- امسكي لي اللعبة وأنا سأقول لكِ ماذا تحركين.
صارتْ نجلاء تقول لي أي مكعب أحرّك، فأحركه. وخلال دقائق كانتْ قد جَمَعَتْ مكعبات اللغز.
طالعتُ نجلاء بدهشة ثم طالعتُ أمي وخالتي وهما تبتسمان لنا.
بعد أن عدنا الى بيتنا، صعدتُ الى بيتنا، صعدتُ غرفتي.
وقفتُ أمام المرآة أراقب ذراعيّ وساقيّ، فسالتْ من عينيّ دمعتان، لكنني لم أرفع يدي لكي أمسحهما. ركضتُ الى السرير واستلقيت أبكي.
فجأةً، طرأت لي فكرة.
- أنا أستطيع أن أستغني عن ذراعٍ واحدة وساقٍ واحدة فلماذا لا أعطيهما ابنة عمي نجلاء.
ركضتُ الى أمي وأخبرتها بفكرتي فحضنتني قائلة.
- انها فكرةٌ رائعة. عندما يعود أبوكِ، سأخبره بالأمر.
وبعد أن عاد أبي، نادتني أمي، وجلسنا معاً في صالة البيت.
قال أبي بعد أن جلس الى جانبي.
- نجلاء بنتٌ ذكية كما شاهدتِ ولا تحتاج منك إلا لصداقتك وحبك. الصداقة والحب هما الذراع والساق التي يمكنكِ منحهما لها.
بعد أشهر وأثناء زيارتنا لعمي كنتُ أنا ونجلاء نلعب ألعاباً الكترونية. أنا أمسك العصا، وهي تقول لي كيف أتحرك.
- يمين يمين يا ليلى.. يسار، فوق, أسفل..
وتحققُ رقماً عالياً في اللعبة.
سألتها.
- أتريدين أن أقرأَ لك قصةً؟!
فرأيت على وجهها حُزناً.
- ما بك يا نجلاء؟ّ
- لماذا لا تعيشين معي يا ليلى؟!
رددت بدهشة.
- انني أتمنى ذلك.
دفعتُ كرسي نجلاء الى أن وصلنا صالون البيت.
قالت نجلاء لأبي.
- أريدكَ يا عمي أن توافق على أن تعيش ليلى معي.
صار منزل عمي الى جانب منزلنا، ليس بيننا سوى جدار. وفي الجدار فتح أبي باباً لكي أستطيع أن أذهب الى نجلاء في أي وقت، وصرتُ لا أفترق عنها إلا وقت النوم، حتى عندما أنام أحلم أن نجلاء تقف على الباب الفاصل بيننا بشعرها الطويل الجميل، تفتح ذراعيها لي ثم تركضُ باتجاهي، وعندما تحضنني، أحس أنني أنا وابنة عمي شخصاً واحداً، وعندما أصحو لا أفكر إلا بالمركز الذي تعالج فيه نجلاء، وبالطبيب الذي كلما أقص عليه حلمي، يردّ علي.
- هذا ليس حلماً.. نجلاء سوف تتحسن.
لكن الأحلام لا تفارقني.
"جزيرة وسط البحر وفيها أولاد مخيفون يصيحون صيحات عالية.
- اطردوا المشلولة من الجزيرة.. اطردوا المشلولة من الجزيرة.
وأنا أصيح بهم.
- لا تقولوا عنها مشلولة. إنها أفضل مني ومنكم أيها المتوحشون.
وأركض أبحثُ عن نجلاء قبل أن يصِلَ اليها هؤلاء الناس الغريبون.
- نجلاء.. نجلاء أين أنتِ؟!
وفجأة أرى على الشاطي الكرسي ذا العجلات، لكن نجلاء لم تكن جالسة عليه.
أركض الى البحر حتى يغوص كل جسدي وأنا لا أجيد السباحة.
أضرب الماء بيديّ وأنا أصيح.
- نجلاء.. نجلاء..
وأحسُّ أن أحداً ما يمسكني من يدي ويسبح بي مرة أخرى الى الشاطيء.. انها حورية بحرٍ فاتنة، لها شعر طويل وذراعان جميلان.
أقول لها.
- شكراً لك أيتها الحورية على إنقاذي، لكنني أريدك أن تنقذي ابنة عمي نجلاء.
تضحك الحورية ثم تهمس في أذني.
- أنا هي نجلاء. لقد شفى الله ذراعيّ وسيشفي ساقيّ قريباً.
أنهض على قدمي وأصير أجمعُ الرمل بين كفيّ وأنثره في وجوه الأولاد.
- "لن تطردوا نجلاء من الجزيرة، بل هي التي ستطردكم، هذه الجزيرة لها أيها المتوحشون".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق