في أسبوع ما، كان اليوم


الأحد 

يتغطرس الجبل على الوادي

 

كان الجبل طيلة حياته يهزأ بالوادي قائلاً:

-      أنا الجبل الأشم. أنا الذي تصطدم الغيوم بي ثم تمطر. أنا الذي أجعل المطر يسيل اليك ويملأك بالماء والعشب. أنا الأشم وأنت المستلقي تحت قدميّ.

وكان الوادي لا يردّ على غطرسة الجبل. يتركه يقول ما يشاء دون أن يرد عليه. يظل صامتاً للناس وهم يستفيدون من مائه ويزرعون على ضفاف أرضه حقولهم.

لا يرد الوادي على غطرسة الجبل، بل يتركه للريح التي تهب عليه من كل اتجاه وتعري صخوره.

 

 

الاثنين

ربما انتهت الحرب

 

نفخ حارس المخيم في بوقه، لكن الصوت المعتاد لم يخرج منه.

أخذ الحارس يطالع البوق من الناحيتين، لكن شيئاً لم يتغير في البوق، منذ بدأ ينفخ فيه فجراً ليوقظ جنود المخيم.

وضع الحارس البوق على الصخرة وأخذ يطالع الأفق.

كانت السماء صافية، وضوء الشمس قد بدأ يرسم في صفحتها احمراراً هادئاً.

استغرب الحارس هذا المشهد، فهو لم يعتد عليه منذ بدأت سنوات الحرب. كانت السماء طيلة هذه السنوات ملبّدة بالغيوم ، تحجب الشمس عن الظهور.

ركض الحارس إلى المخيم ليوقظ الجنود بنفسه، لكنه لم يجد جندياً واحداً في المخيم.

كانت اسرَّة النوم مرتبة وفارغة، فخاف أن مكروهاً حدث للجنود. فكر ملياً، فتذكر أنه رآهم واحداً واحداً ليلة البارحة بعد أن عادوا من ساحة المعركة، وانهم ناموا من شدة التعب.

عاد الحارس إلى الصخرة والتقط البوق ثم حدثه قائلاً.

-      ربما انتهت الحرب.

 

 

الثلاثاء

 كيف صارت أرض الفصل بحراً؟! 

 

دخلت المعلمة إلى الفصل، وأخذت تراقب الطاولات والكراسي والسبورة وأصابع الطباشير.

تجولت بعينيها على جدران الفصل، اللوحات المرسومة بألوان الطالبات، اللوحات المخطوطة بأقلامهن الخضراء والحمراء والسوداء والزرقاء، ستائر النافذة التي خاطتها مجموعة من الطالبات في جمعية الخياطة.

شعرت المعلمة بأن الفصل بلا طالبات، مثل الحديقة بلا أزهار ومثل البحر بلا أسماك ومثل السماء بلا طيور.

مضى وقت وهي واقفة.

أغمضت عينيها، فجاء من بعيد صراخ الطالبات ومشاجراتهن وضحكاتهن وفرقعة أصابعهن حين يردنَ الردَّ على الأسئلة.

جاء صراخهنَ من بعيد، ثم اقترب شيئاً فشيئاً.

وشيئاً فشيئاً، صارتْ أرض الفصل بحراً، وجدرانه حديقة، وسقفه سماء.

تقافزت الأسماك من ماء البحر، تمايلت الأزهار فوق الأشجار، غردت العصافير في السماء، وظلت هكذا حتى انتهت العطلة الصيفية.

 

 

الأربعاء

كم يؤلمني حزنكم

 

تجمّع الأطفال حول مقعد الراوي، وبعد أن جلس كل طفل على كرسيه، انطفأت الأنوار.

صاح أحد الأطفال:

-      سيجيء الراوي الآن، وسوف نستمع إلى قصة جديدة.

سمع الأطفال صوت أقدام تمشي ببطء:

-      إنه صوت أقدامه.

دخل رجل ذو ملامح غريبة، فتقافز الأطفال:

-      هذه ليست هيئة الراوي.

-      انه لا يرتدي ملابس الراوي.

-      ولا يحمل كتب الراوي.

-      مَنْ هذا إذاً؟!

أجاب الرجل الغريب بصوتٍ حزين، بعد أن أضاء الأنوار:

-      لقد مات الراوي يا أطفالي الأعزاء.

كسا الحزن وجوه الأطفال وامتلأت عيونهم بالدموع.

قال أحد الأطفال مندهشاً:

-      مات؟!

وقال الآخر:

-      ولن نستمع إلى قصصه مرة أخرى؟!

وأطرق ثالث برأسه:

-      وسوف لن نجتمع هنا حول مقعده؟!

رفع الرجل يده في وجوه الأطفال:

-      لا يا أعزائي. سأحلّ أنا محل الراوي. لقد كنا طوال عمرنا أصدقاء، يشبه كل منا الآخر. كم يؤلمني حزنكم لفراقه.

وصاح مكملاً كلامه:

-      اجلسوا في أماكنكم.

جلس الرجل في مقعد الراوي، ثم أخذ ينظر في وجوه الأطفال التي كانت تنتظر القصة.

قال الرجل لنفسه:

-      سوف أقصّ عليهم قصة حياة الراوي، وكيف كان يحب الأطفال والحكايات والمغامرات.

وبعدما بدأ الرجل في تلاوة القصة، أخذ الأطفال ينسحبون واحداً بعد الآخر، لكن الرجل لم يتوقف عن قصته حتى انسحب آخر طفل.

قبل أن يخرج هذا الطفل، سأله الرجل:

-      ألم تعجبك القصة؟!

أطفأ الطفل الأنوار، ثم أجاب.

-      لقد مات الراوي.

 

 

الخميس

كانت هناك أحبك 

 

على الطاولة المجاورة لسرير الفتاة، كان الكتاب يحاول أن يضمّ دفّتيه إلى بعضهما، لكي يمنع الهمزة من الخروج. لكنها، مثل كل مرة، تنزلق من الصفحة، وتزحف إلى أن تصل طرف الطاولة.

أخذت الهمزة تحدّق في الفتاة، وهي تمسك ورقة بيضاء، وتمعن في مطالعتها.

كانت الفتاة مستلقيةً على سريرها، تبدو عليها الحيرة الشديدة.

استرقت الهمزة النظر إلى الورقة، ثم هزّتْ رأسها مبتسمة.

ركضت الهمزة عائدة إلى صفحتها، ثم خرجتْ مرة أخرى، بصحبتها الكسْرة والشدّة. 

حاولَ الكتاب أن يغلق عليهما الطريقَ، لكن الهمزة، قفزتْ في اللحظة الأخيرة، وهي تمسكُ بيدها اليمنى الكسْرة، وبيدها اليسرى الشدّة، مما جعل الكتاب يسقط من الطاولة على الأرض.

وضعت الفتاة الورقة على حضنها، ثم تناولت الكتاب، وأعادتْهُ إلى مكانه على الطاولة.

عادت الفتاة وأمسكت الورقة بين أصابعها، وأخذتْ تطالعها من جديد.

شهقتْ الفتاة حين رأتْها.

قرَّبتْها من عينيها أكثر، وضعتْها على السرير، ثم نهضتْ ترقص في غرفتها بفرح.

في الورقة، كانت هناك كلمة؛

أحبّكِ.

وكانتِ الهمزة والشدّة والكسْرة تضيفُ لها معنى جديداً.

رفع الكتاب رأسه، بفضول شديد، لكي يتمكَّن من قراءة الورقة.

 

 

الجمعة

قلم غير صالح 

 

قال القلم للورقة:

-      أنت بدوني لا تساوين شيئاً.

ردت الورقة بغضب:

-      و أنت، هل تستطيع أن تفعل شيئاً بدوني؟!

أجاب القلم:

-      أنا أستطع أن أخط خطوطي على أي مكان. على الجدران، على الطاولة، على الأرض.

ضحكت الورقة:

-      أنت قلم غريب الأطوار. إن مكانك على الورقة فقط.

-      أتتحدينني؟!

-      أجل.

تدحرج القلم، فتناثر حبره على سطح الطاولة.

عندما دخل صاحب القلم، ورأى الحبر المتناثر على طاولته غضب كثيراً، ثم قال:

-      هذا القلم لم يعد صالحاً للكتابة.

رماه في سلة المهملات، ثم أخرج من الدرج قلماً جديداً.

 

 

السبت

من بين الأجنحة، تتساقط الكلمات 

 

في الحديقة، كان هناك طفلان.

سأل الطفل الأول صديقه الطفل الثاني:

-      لماذا لا يخرج صوت للأشياء التي نفكر بها؟!

فكّر الطفل الثاني طويلاً واستغرب هو أيضاً:

-      صحيح.. كيف لا يسمع الانسان تفكير أخيه الإنسان؟!

لمعت في عين الطفل الأول فكرة:

-      دعنا نتحدث لبعضنا دون كلام، وسنرى إذا كان أحدنا سيسمع الآخر.

جلس الطفلان في مواجهة بعضهما البعض.

فكّر الطفل الأول بالأسئلة التالية:

-      لماذا اخترتك صديقاً لي؟! لماذا أحرص كل يوم على لقائك واللعب معك؟! لماذا حين نتخاصم نتصالح بسرعة؟! ولماذا نحب حارتنا كثيراً؟!

كان هناك عصفوران على الشجرة يراقبان ما كان يحدث، ويسمعان كل ما كان الطفلان يفكران فيه. ابتسم العصفوران ثم حلقا فوق رأسي الطفلين. ومن بين أجنحتهما كانت الكلمات تتساقط على الأرض مسموعة.

التقط كل طفل كلماته ووضعها في جيبه ثم غادرا الحديقة.

 

 

الأحد التالي 

(لا بدَّ أن هناك، في مكان ما، قصةً جديدة)























































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أُقبِّلُ شَجرتَكِ مَضتِ السنّةُ الخامسة،  وهاهي شَجرتُكِ تكبر، بَذرْتُها في العاشرةِ وخمس دقائقَ من صباحِ الخميس، الثلاثين من شهر كانون الثا...