الشبيه
تجمّع الأطفال حول مقعد الراوي، وبعد أن جلس كل طفل على كرسيه، انطفأت
الأنوار.
صاح أحد الأطفال.
- سيجيء الراوي الآن،
وسوف نستمع إلى قصة جديدة.
سمع الأطفال صوت أقدام تمشي ببطء.
- إنه صوت أقدامه.
دخل رجل ذو ملامح غريبة، فتقافز الأطفال.
- هذه ليست هيئة الراوي.
- انه لا يرتدي ملابس
الراوي.
- ولا يحمل كتب الراوي.
- مَنْ هذا إذن؟!
أجاب الرجل الغريب بصوتٍ حزين، بعد أن أضاء الأنوار.
- لقد مات الراوي يا
أطفالي الأعزاء.
كسا الحزن وجوه الأطفال وامتلأت عيونهم بالدموع.
قال أحد الأطفال مندهشاً.
- مات؟!
وقال الآخر.
- ولن نستمع إلى قصصه
مرة أخرى؟!
وأطرق ثالث برأسه.
- وسوف لن نجتمع هنا حول
مقعده؟!
رفع الرجل يده في وجوه الأطفال.
- لا يا أعزائي. سأحلّ
أنا محل الراوي. لقد كنا طوال عمرنا أصدقاء، يشبه كلٌّ الآخر. كم يؤلمني حزنكم
لفراقه.
وصاح مكملاً كلامه.
- اجلسوا في أماكنكم.
وبعد أن جلس الأطفال، جلس الرجل في مقعد الراوي، ثم أخذ ينظر في وجوه
الأطفال التي كانت تنتظر القصة.
قال الرجل لنفسه.
- سوف أقصّ عليهم قصة
حياة الراوي، وكيف كان يحب الأطفال والحكايات والمغامرات.
وبعدما بدأ الرجل في تلاوة القصة، أخذ الأطفال ينسحبون واحداً بعد الآخر،
لكن الرجل لم يتوقف عن قصته حتى انسحب آخر طفل.
قبل أن يخرج هذا الطفل، سأله الرجل.
- ألم تعجبك القصة؟!
أطفأ الطفل الأنوار، ثم أجاب.
- لقد مات الراوي.
القفــص
كانت السماء تبرق وترعد في الخارج.
خافت "شهد"، فركضت إلى أمها.
- ما بك يا شهد؟!
- أنا خائفة يا ماما.
- لا تخافي يا حبيبتي،
هكذا هو فصل الشتاء.
مشت الأم وابنتها إلى الغرفة، وقبل أن تدخلا، طالعت شهد عصفورين داخل
القفص.
- ماما، العصفوران أيضاً
خائفان.
- وكيف عرفتِ؟!
- انظري اليهما، إنهما
متلاصقان إلى بعضهما، وريشهما منكمش.
حدّقت الأم النظر في العصفورين، لكنها قالت.
- انهما نائمان يا
حبيبتي.
فكّرت شهد ثم طلبت من أمها طلباً.
- هل أستطيع أن آخذ
القفص معي إلى غرفتي؟
كان القفص صغيراً، وقد وضعته الأم على طاولة صغيرة في ركن الصالة.
أجابت الأم.
- لا بأس يا شهد.
حملت الأم القفص إلى غرفة ابنتها.
- أين تريدين أن أضعه؟!
- إلى جانب سريري يا
ماما.
* * *
اشتد الرعد والبرق، وكانت شهد ستقفز من سريرها وتركض إلى امها مرة أخرى،
لكنها طالعت العصفورين، فوجدتهما ملتصقين إلى بعضهما.
همست شهد للعصفورين.
- هل أنتما نائمان؟!
أجاب العصفور الأول.
- لقد أفقنا عندما حركت
أمك القفص؟
- ألا تشعران بالخوف من
الرعد والبرق؟!
- ولماذا نخاف، إننا
محبوسان في هذا القفص.
فكّرت شهد ثم ابتسمت للعصفورين.
- أتريدان أن أفتح القفص
لكما؟!
أجاب العصفوران بصوت واحد.
- أجل. إننا نتمنى ذلك،
لقد مللنا هذا السجن. نريد أن نعود لحريتنا.
سألت شهد العصفورين.
- ألا يعجبكما العيش في
منزلنا؟!
ردّ العصفور الثاني.
- الطيور مكانها السماء.
قالت شهد.
- لكن السماء تبرق
وترعد.
ابتسم العصفور الأول.
- إنها تبرق وترعد
غاضبة، لأن الطيور لا تحلق في سمائها.
في الحال ركضت شهد إلى القفص. حملته إلى جانب النافذة وفتحت باب القفص ثم
فتحت درفتي النافذة، فطار العصفوران.
وما هي إلا دقائق حتى هطل المطر.
* * *
في الصباح كان الجو صحواً، والندى يغطي أوراق الشجر، وعلى الغصن كان
العصفوران يغردّان بسعادة لصديقتهما شهد، وللمطر.
المغيــب
كلما حاولتُ أن أغمض عينيَّ لأنام، أستعيد صورة "أيمن" فيصيبني
خوف شديد. أقرأ آية الكرسي وأقرأ المعوذات لكي يزول خوفي. لكن الصورة تظهر في
أحلامي.
كنت أستقل السيارة مع أبي وأمي. أبي في المقعد الامامي إلى جانب السائق،
وأنا في المقعد الخلفي إلى جانب أمي.
انطلقنا من الفندق (الذي كنا نسكنه في الاجازة الصيفية) إلى شاطيء البحر
المزدحم بالمصطافين من كل المدن. وكذلك كان الشارع المحاذي للشاطيء مزدحماً
بالسيارات التي يقودها اصحابها بحذر. كنت أراقب الأطفال وهم فرحون بالبحر. يلعبون
بالكرة او يبنون بيوتاً من رمل الشاطيء او يطاردون بعضهم البعض. ولفت نظري طفلان
يترددان في عبور الشارع. كان أحدهما يمسك بذراع الآخر لكي يمنعه من العبور، لكنه
استطاع أن يفلت منه وأن يعبر الشارع دون أن ينظر إلى السيارة المتجهة اليه.
وأمام عيني رأيت السيارة… يا الله.. يا
الله.. تصدمه.. تصدمه أمام عينيَّ.
أحسست أن دقات قلبي صارت تنبض بسرعة، توقفت السيارات وأسرع الناس لإنقاذ
الطفل الذي كان ممدداً على الاسفلت، والطفل الآخر يصرخ بأعلى صوته.
- أيمن.. أيمن.. أيمن..
أخي أيمن.
وكان يضرب وجهه بيديه ويقفز في مكانه، إلى أن وصل اليه رجل وحضنه، ورجل آخر
تتبعه امرأة انطلقا إلى السيارة. حمل الرجل الطفل والمرأة تولول وتشد حجابها
وكأنها ستمزقه.
- ابني.. يا ضناي.
التفتت أمي إلى وحضنتني لصدرها، ثم قال أبي للسائق.
- هيا تحرك.
وبعد أن ابتعدنا عن المكان، قالت أمي لي.
- سيكون بخير إن شاء
الله.
ثم سمعتها وهي تهمس وكأنها تحدّث نفسها.
- اللهم اكتب له النجاة
ولأمه الصبر.
قال السائق.
- الحادث بسيط، فالسيارة
لم تكن مسرعة، هو الذي فاجأها.
رد أبي.
- اللهم الطف بحاله.
ثم طلب من السائق أن يختار مكاناً جيداً على الشاطيء لنقف فيه.
لم أستمتع بالبحر، فلقد كنت أرى على سطح الماء صورة الطفل وهو بين يدي أبيه
وصورة أمه وهي تشد حجابها وصورة اخيه وهو يضرب وجهه بيديه ويصيح.
- أيمن.. أيمن..
- ماذا يا ترى حصل
لأيمن؟! هل مات؟! أم أن اصابته بسيطة كما يقول السائق؟!
تمنيت أن أعود راكضة إلى مكان الحادث لأسأل الناس عنه، لكنني لم أستطع سوى
رفع كفي إلى السماء والدعاء.
- يا رب، اكتب النجاة
لأيمن.
وصارت صورة أيمن تظهر لي قبل أن أنام، وحين أخبرت أمي بالأمر، نصحتني أن
أقرأ آية الكرسي والمعوّذات لأتمكن من النوم.
- لكنه يظهر في أحلامي.
- لا بأس، مع الوقت
ستنسى الأمر.
قلت لنفسي.
- لماذا نسي أبي وأمي
الأمر وأنا لا أستطيع نسيانه؟!
غصت في البحر، وصرت أتبع "ايمن" وهو يهوي إلى القاع أمامي.
- أيمن.. يا أيمن.
لكنه لم يكن يسمعني. جدّفت بقدمي بشدّة لكي أصل اليه، فلم أنجح. رأيت جسده
يدخل مغارة مظلمة تحرسها أسماك سوداء ذوات شكل مخيف. لذلك اختبأت خلف صخرة، وصرت
أنتظر ان يخرج.
مضى وقت طويل دون أن يحصل أي شيء. الأسماك تحرس المغارة المظلمة وأيمن
اختفى داخلها.
سمعت صوت حركة خلفي. التفتُّ فإذا دلفين صغير يبتسم لي.
سألني.
- ما بك أيتها البنت
الحلوة؟!
- إنني أنتظر صديقي أيمن.
- وأين هو؟!
- داخل هذه المغارة.
أرخى الدلفين رأسه بحزن، ثم قال.
- من يدخل هذه المغارة
لا يخرج أبداً.
سألته باضطراب.
- ماذا تقصد أيها
الدلفين؟!
- أقصد.. أقصد.. لابد أن
مكروهاً حدث له قبل أن يدخل المغارة.
قلت له.
- أجل لقد عبر الشارع
دون أن ينتبه، فصدمته سيارة.
قال الدلفين والدمعة تسيل على خدّه.
- تشجعي يا عزيزتي، أخشى
أن أيمن لن يعود لك مرة أخرى.
سالت الدموع من عينيّ أنا أيضاً، صارخة.
- أتقصد أنه مات؟!
أمسك الدلفين يدي وهو يقول.
- تشجعي.. تشجعي.
لكنني طلبت من الدلفين طلباً.
- لماذا لا نحاول أن
ندخل المغارة، فربما كان أيمن مصاباً فقط.
صاح الدلفين.
- كيف ندخلها؟! ألا ترين
كل هؤلاء الحرس.
رجوته.
- لنحاول.
فكّر الدلفين قليلاً ثم قال لي.
- حسناً، ستسبحين إلى
سطح البحر، ثم تهوين مباشرة إلى المغارة، وستعتقد الأسماك السوداء انك ميتة، وبذلك
تدخلينها.
انبهرت بالفكرة، وسبحت مباشرة إلى السطح، ثم جعلت جسدي يهوي إلى المغارة
مثلما هوى جسد أيمن. وحين وصلت فوهة المغارة سمحت لي الأسماك السوداء بالدخول.
وفي ظلام المغارة صرت أنادي.
- أيمن.. يا أيمن.
سمعت أنّات تصدر من مكان قريب مني. صرت أتلمّس بيدي إلى أن وجدته.
- أنت حيّ يا أيمن.
ردّ عليّ بصوتٍ كله ألم.
- يديّ تؤلمني.. أريد
أبي وأمي.
جعلته يستند عليّ وسبحت خارج المغارة ورأتني الأسماك السوداء. فرّت خائفة
وهي تصيح.
- الميتون يتحركون.
ضحك الدلفين وأخذ يصفق لي بزعانفه، ثم حملنا أنا وأيمن على ظهره إلى أن
وصلنا السطح، وكان في انتظارنا أم أيمن وأبوه وأخوه ودموع الفرح تملأ وجوههم.
تفرّق الناس الذين كانوا مجتمعين حول السيارة التي صدمت أيمن، لتفسح الطريق
لسيارة الإسعاف.
أما أنا فلقد بقيت على الشاطيء، أراقب الشمس وهي تغيب، وأراقب الدلفين وهو
يصفق لي ويضحك.
الهــــلال
سألتُ أمي.
- متى يجيء العيد؟!
ابتسمتْ لي ثم أجابت.
- نحن لا نزال يا حبيبي
في منتصف رمضان.
وأكملتْ.
- العيد يأتي آخر هذا
الشهر.
ولكنني ظللت أسألها كل يوم.
- هل سيأتي العيد غداً؟!
- إصبر يا ولدي، سيجيء
العيدُ في موعده.
- ومتى موعده يا ماما؟!
- عندما يرى الناسُ
هلالَ شهر شوال.
لم أفهم ما قالته أمي، فشرحتْ لي.
- كل شهر من شهورنا
العربية يبدأ بظهور الهلال.
- وما هو الهلال يا
أمي؟!
فكّرت قليلاً ثم أجابت.
- انه حافة القمر، ألا
تعرف القمر؟!
- بلى أعرفه يا ماما،
إنني أراه في السماء أبيضَ مثل الثلج.
- هذا صحيح يا ولدي، قبل
أن يكتمل القمر الأبيض يبدأ بقوس صغير أبيض في طرف السماء، عندها يبدأ الشهر.
وعندما يكتمل نكون في نصف الشهر، وحين يعود قوساً أبيض ينتهي الشهر ليبدأ الشهر
الذي يليه.
قلت لأمي.
- نحن الآن في شهر
رمضان.
- أجل يا بني، وبعد شهر
رمضان يأتي شهر شوال.
وقاطعتها بسؤالي.
- وهل يأتي العيد في شهر
شوال يا ماما؟!
- بالضبط ياحبيبي، في
اليومين الأخيرين من شهر رمضان يراقب الناس السماء، فإذا رأوا الهلال، تدقُّ مدافع
العيد.
* * *
كان اليوم ما قبل الأخير من شهر رمضان، وكنت في حديقة منزلنا أطالع السماء.
- أين أنت أيها الهلال؟!
لماذا لا أراك؟! إظهر يا صديقي لكي أفرح أنا وأخوتي بالعيد . نحن نحب العيد
كثيراً، لقد اشترى أبي لي ملابس جديدة ووعدني أن نزور جدي وجدتي وأن نزور جيراننا
القدامى في الحي القديم، وقال لي إننا سنطرق باب عجوز الحي التي كانت تحب كل الناس
وأنه سيهديها الكثير من الهدايا. أنا متشوق جداً لهذه العجوز الطيبة التي لا ينساها
أبي في كل الأعياد.. هيا يا صديقي الهلال، إظهر .
لكن السماءَ كانت تشعُّ بالنجوم فقط، لذلك دخلت إلى البيت حزيناً، ووجدت
أبي يقرأ الصحف.
قلت له.
- لم أر الهلال يا أبي،
ولن يجيء العيد غداً.
ضحك أبي ثم رمى الصحيفة من يده.
- لن تستطيع رؤيته يا ولدي
، فهناك رجال يعرفون مواقعه ، وسيشاهدونه اذا ظهر.
ذهبت إلى غرفتي، وصرت أطالع ثوبي الجديد وحذائي اللامع، وأخذت أتذكر العجوز
الطيبة التي ستحضنني بقوة عندما تراني.
شعرت بحضنها الدافيء، وتخيلت ان قلبي يدق مثل مدافع العيد.
المخلوقات الخمسة
وسط بحرٍ بعيد، كانت هناك جزيرة صغيرة يسودها الود والحب.
في هذه الجزيرة تعيش خمسة مخلوقات.
المخلوق الأول، السمع.
المخلوق الثاني، الشم.
المخلوق الثالث، اللمس.
المخلوق الرابع، التذوق.
المخلوق الخامس البصر.
كانت هذه المخلوقات تعيش في سلام وأمان، كل واحد منها يؤدي الدور المطلوب
منه بكل جد وإخلاص.
مخلوق البصر يرى كل ما يحدث في الجزيرة وينبّه أصدقاءه اذا حدث أي خطر.
مخلوق السمع يسمع صوت الخطر ويحدّد اذا كان قريباً أم بعيداً.
مخلوق الشم يشم الروائح ويخبر أصدقاءه اذا كانت جميلة. أما إذا كانت كريهة
فإنه يحذرهم منها.
مخلوق اللمس يساعد بقية المخلوقات في التعرف على المواد الصلبة والخشنة
وعلى السوائل الحارة او الباردة، وهذا يسهل عليهم التعامل مع المواد والسوائل.
أما مخلوق التذوق، فهو الذي يختبر المأكولات، إن كانت طيبة المذاق،
يأكلونها. وإذا لم يستسغها، فإنهم يتجنبونها.
* * *
وفي يوم من الأيام، وبينما المخلوقات تغطُّ في نوم عميق، أفاق مخلوق السمع
مذعوراً. لقد سمع صوتاً غريباً.
صاح بأصدقائه.
- أفيقوا يا أصدقائي،
انني أسمع صوتاً غريباً.
ثم أشار إلى مصدر الصوت.
نظر مخلوق البصر إلى البحر، فرأى وحشاً بحرياً يسبح باتجاههم.
قال مخلوق الشم.
- ما العمل أيها
الأصدقاء؟ كيف ندافع عن جزيرتنا؟!
تهامسوا فيما بينهم بالخطة التي سينقذونها لإنقاذ الجزيرة وإنقاذ أنفسهم.
مخلوق البصر قال.
- إنني أرى الوحش وهو
يتحرك ببطء وسوف يستغرق ساعة لكي يصل إلى شاطيء جزيرتنا.
الخطة التي اتفق عليها المخلوقات الخمسة هي.
مخلوق التذوق يحدّد الأشجار ذات الأغصان كريهة المذاق.
مخلوق اللمس يختار أغصاناً صلبة، ويختار أيضاً حجرين.
مخلوق البصر يرى شرارة النار بعد أن يضرب الحجرين ببعضهما البعض.
بعد أن تشتعل النار في الأغصان، يتأكد مخلوق الشم أن رائحة الدخان كريهة
جداً.
مخلوق السمع يجعل صوت الحريق مخيفاً جداً.
قبل أن يصل الوحش إلى شاطيء الجزيرة، أشعل المخلوقات النار، لكن الوحش لم
يخف كثيراً.
الدخان والرائحة الكريهة جعلته يستدير ويهرب بعيداً عن الجزيرة.
الغرباء
قال الرفّ للمسمار.
- أنا واثق أنك ستحتمل
ثقل الكتب التي أحملها.
رد المسمار.
- لقد كبرت. لم أعد
أحتمل. لقد أصبحتُ مسماراً عجوزاً. أخاف أن أموت في أي لحظة.
حزن الرف كثيراً، ثم حاول مواساة المسمار.
- لا يا صديقي المسمار،
لن تموت. سيمنحك الله عمراً مديداً، لأنك أنت الذي تحملني وتحمل هذه الكتب
النفيسة. أرجوك احتملنا.
غرق المسمار في دموعه، وتذكر كيف كان صاحب البيت يعتني بالرف كثيراً.
- كان في شبابه يدعو
أصدقاءه كلَّ ليلة. يناقشهم في الكتب التي يعيرها إياهم. كان يعطي كل واحد منهم
كتاباً، ويطلب منه أن يقرأه ثم يدعوه بعد أيام لكي يتناقش معه في موضوع الكتاب.
كانت غرفته حديقة للنقاش. أشجار من القصص ومن التاريخ والحضارات والعلوم. في كل
شجرة ثمار باسقة ذات ألوان ومذاقات لا يشبع منها الزوار.
وذات ليلة، جاء رجال غرباء.
قالوا لصاحب البيت.
- تعال معنا.
سألهم.
- إلى أين؟!
أجابوا.
- لا يحق لك السؤال.
تعال معنا.
ذهب معهم، ولم يعد، فحزنت عليه كثيراً.
سأل الرفُّ المسمار.
- من هم هؤلاء الرجال؟!
أجاب المسمار.
- لا أعرف.
- ولماذا لم يعد إلى
الآن؟!
- لا أعرف يا صديقي
الرف. الذي أعرفه أنني لا أستطيع أن أتحمل الثقل. كانت الكتب في الماضي تغادر فترة
ثم تعود، فأرتاح من الثقل قليلاً. وحين تعود كتب تغادر كتب أخرى. وكان أصدقاء صاحب
البيت يشعرون بالإمتنان له لأنه يشتري الكتب، يضعها على الرف بفرحٍ ويعيرها
لأصدقائه ببهجة أكبر.
- قال الرف للمسمار.
- لن تموت.
ردّ المسمار.
- إذا عاد صاحب البيت،
وعاد فرحُهُ بالكتب وبأصدقاء الكتب، سأحيا من جديد. ستتحرك الكتب عن كاهلي لفترة،
وسأستعيد نشاطي.
- مرّت الأيام ثقيلة على
المسمار.
- أين يا ترى أخذ الرجال
الغرباء صاحب البيت؟!
لكن لم يكن هناك جوابٌ لهذا السؤال.
بعد أيام، سمع الرف صوت أقدام تدخل البيت.
قال الرف للمسمار.
- انصت يا صديقي
المسمار، لقد عاد صاحبنا.
مشت الخطوات بطيئة في البيت. وبعد وقت، فُتح باب المكتبة، ثم دخل مجموعة من
الرجال.
همس الرف للمسمار الذي كان يحتضر.
- من هؤلاء الرجال
الغرباء؟!
أجاب المسمار بصعوبة.
- أنا لم أرهم من قبل.
عاد الرف يهمس للمسمار.
- اسكت. دعنا نسمع ماذا
يقولون.
أخذ الرجال الغرباء يطالعون الرف والكتب والطاولة والكراسي التي كان يتناقش
عليها أصدقاء صاحب البيت.
قال الأول، وهو يطالع إلى الرف باحتقار.
- البيت لا يساوي شيئاً.
قال الثاني.
- صحيح. ولكننا يجب أن
نبيعه.
فردّ عليه الأول.
- حسناً، لنبيعه ونتخلص
منه.
- إذن سنقبل بالسعر الذي
عرضه هذا السيد.
وأشار إلى الشخص الثالث.
ابتسم الشخص الثالث وقال.
- اذن لنذهب أيها السادة
كي نكمل اجراءات البيع.
بعد أن خرجوا، ذرف الرفُّ دموعاً حارة.
سالت الدموع على المسمار الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة.
مات المسمار، فسقط الرف مغشياً عليه، ثم تهاوت الكتب على الأرض، وهي تصرخ
بألم شديد.
وردان
كانت كلُّ سناجب الغابة مجتمعة تحت شجرة
لوزٍ كبيرة تتشاور فيما بينها في طريقةٍ يساعدون فيه السنجاب "وردان"
الذي فقد القدرة على النطق والكلام.
قالت أم وردان لأهلها السناجب بحزن بالغ.
- عندما أيقظت وردان من النوم، لم يقل لي صباح الخير يا ماما كعادته. سألته؛
ما بك يا بني؟! فلم يجبني. رأيته يفتح شفتيه محاولاً الكلام لكن الصوت لم يخرج من
فمه.
أخذت أم وردان تبكي بكاءً حاراً،
فأحاطتها صديقاتها لكي يخففن من مصابها.
رفع كبير السناجب رأسه موجهاً الحديث لأم
وردان.
- ألم يخرج وردان من جحره قبل أن ينام؟!
- أجابته أم وردان.
- لا. ولماذا تسأل يا كبير السناجب؟!
- لعله تعرض لهجوم من أحد الحيوانات، أو لعلّ عقرباً أو ثعباناً لدغه.
- لا. لم يحصل شيء من هذا. لقد كنت أتحدث معه قبل أن ينام وكان سليماً معافى،
وبعد أن وضعت الغطاء عليه راح في نوم عميق.
خيّم الصمت على السناجب، كل واحد منهم
يفكر لماذا فقد "وردان" القدرة على الكلام، وهو الذي كان يملأ الغابة
بأحاديثه المشوقة وأغانيه العذبة.
كان وردان في طفولته يحب أباه كثيراً
وكانت الكلمة الأولى التي تعلمها في طفولته كلمة بابا. كان لا يفترق عن أبيه لحظة
واحدة، يصحو مثله فجراً ويذهب معه لجمع اللوز والثمار، ويرافقه في زياراته
للحيوانات الأليفة.
وذات مرة وحينما كان وردان مع أبيه في
نزهة في أطراف الغابة وقعت عليهما شبكة صياد. حاول أبو وردان أن يقضم الشبكة لكنها
كانت قوية جداً. وما هي إلاّ لحظات حتى جاء صياد أبيض برفقة رجل أسود والسرور يشع
من وجهيهما. التقط الرجل الأسود السنجابين وهو يقول للصياد الأبيض.
- إنهما سنجابان جميلان وسيفرح بهما الناس اذا وضعناهما في حديقة الحيوانات.
- همس أبو وردان في إذن ابنه بكلمات قليلة، فهزّ وردان رأسه، وقبل أن يضع
الرجل الأسود السنجابين في القفص الموضوع في صندوق سيارة كبيرة، عضّ أبو وردان يد
الرجل الأسود، فسقط السنجابان على الأرض وفرّ كل منهما في اتجاه. صرخ الرجل
الأسود.
- إلحق أنت بالصغير سيدي وأنا سألحق بالكبير.
انطلق وردان بأقصى سرعته منحرفاً مرة
يميناً ومرة شمالاً وهو يضحك بصوت عالٍ.
- لن يمسك الرجلان بنا. سنهلكهما من التعب.
وصل وردان إلى البيت وقصّ على أمه القصة
كاملة، فأخذت تضحك قائلة.
- إذن سيعود أبوك في أي لحظة.
حلّ المساء دون أن يعود أبو وردان، لكن
وردان لم يقلق لأنه يعرف شجاعة أبيه ومهارته في الجري، لذلك نام في حضن أمه. وعندما
أفاق من النوم، سأل أمه.
- ألم يأتِ أبي؟!
لم تكن أم وردان تريد له الخوف والقلق،
فهي تعرف كم هو متعلق بأبيه، لذلك أخفت عنه الحقيقة وأجابت على سؤال ابنها بكلمات
حزينة.
- بلى. لقد جاء أثناء نومك وطلب مني أن أقول لك أنه سيسافر إلى أقربائنا
السناجب في الغابة المجاورة، وسيعود بعد أن يحل مشكلتهم.
وأضافت.
- أنت تعرف يا وردان أن أبوك شهمٌ ويحب مساعدة المحتاجين.
فردّ وردان بكل فخر.
- أعرف ذلك يا أمي.
* * *
في حديقة حيوانات المدينة، كان أبو وردان لا يكف عن التفكير بابنه. كان لا
يشعر بالناس الذين يمرون أمام قفصه ويلتقطون له الصور ويمتدحون جمال فروة ذيله.
كان يحلم ليلاً ويتخيل نهاراً صوت وردان وأحاديثه التي لا تملُّ وشقاوته البريئة.
المصابيح
- جاء وقت النوم يا "هشام".
ترك "هشام" الأوراق والألوان وقام إلى أمه.
ذهب معها إلى الحمام. غسل يديه ووجهه، نظف أسنانه بالفرشاة ثم جفف وجهه
ويديه بمنشفته الخاصة.
أمسكت أمه يده، ومشيا إلى غرفته. غطّته أمه، ثم قالت له.
- تصبح على خير يا هشام.
- تصبحين على خير يا ماما.
صار "هشام" يراقب أمه وهي تخرج من الغرفة.
مدت الأم اصبعها إلى زر النور.
ضغطت الزر، فانطفأ النور. أغلقت الباب، فصارت الغرفة ظلاماً.
* * *
لم ينم "هشام".
صار يفكر بالنور والظلام.
- كيف يختفي النور اذا ضغطنا الزر؟؟
رفع "هشام" الغطاء عن جسده. قام عن السرير ومشى وهو يمد يديه إلى
الأمام حتى لا يصطدم بالجدار.
كان "هشام" خائفاً من الظلام، لأنه لا يستطيع أن يرى أي شيء.
تشجع "هشام" ومشى أكثر، حتى لامست يداه الجدار. تحسس باصبعه
المكان الذي يتذكر فيه مكان الزر.
ضغط الزر، فعاد النور إلى الغرفة.
شعر "هشام" بالفرح، فلقد صار يرى كل الأشياء الموجودة في غرفته.
* * *
صاحت أمه من خارج الغرفة.
- لماذا صحوت يا هشام؟
لم يجد "هشام" رداً، فسكت.
صاحت أمه مرة أخرى.
- هيا يا هشام أطفيء النور، وعد للنوم.
- ضغط "هشام" الزر، فامتلأت الغرفة بالظلام.
* * *
في الصباح الباكر، نهض "هشام" من النوم، وبعد أن شاهد النور يملأ
غرفته قال لنفسه.
- لابد أن أمي ضغطت الزر وأنا نائم.
- طالع المصباح المعلق في السقف، فوجده مطفئاً.
- من أين يجيء النور؟؟
قفز "هشام" من سريره.
فتح الباب وركض إلى خارج الغرفة.
* * *
كانت أم هشام نائمة في غرفتها والنور يملأ المكان.
هزّ "هشام" كتفها، ففتحت عينيها. اندهشت لوجوده في هذه الساعة
المبكرة.
سألته.
- ما بك يا "هشام"؟!
- ردّ عليها.
- أريدك أن تطفئي النور الذي في غرفتي.
ابتسمت أمه، وهي ترفع شعرها عن وجهها.
- نحن لا نستطيع أن نطفيء هذا النور.
سأل "هشام".
- لماذا يا أمي؟؟ البارحة أطفأت نور المصباح.
قالت الأم.
- لكن هذا النور ليس نور مصباح.
ردّ "هشام".
- نور ماذا اذن؟؟
أجابته الأم.
- انه نور الشمس، ونور الشمس لا ينطفيء إلا اذا انتهى النهار، وجاء الليل.
سأل "هشام" بسرعة.
- واذا جاء الليل، نشعل المصباح؟؟
ضحكت أمه قائلة.
- نعم، واذا جاء النوم، نطفيء المصابيح، وننام حتى تطلع الشمس.
* * *
صار "هشام" يفكر في نور الشمس كثيراً.
خرج إلى حديقة المنزل، فرأى النور يغمر الدنيا ببياضه.
قال لنفسه.
- يجب أن أطفيء الشمس.
بحث في الهواء عن أزارير لكنه لم يجد.
شعر "هشام" بالحزن. ونكّس رأسه إلى الأسفل ثم أغمض عينيه. أخذ
يغمضهما ثم يفتحهما مرة بعد مرة وهو يصرخ ويضحك.
ركض "هشام" إلى أمه، قال لها وهو يلهث.
- ماما، لقد أطفأت الشمس.
استغربت أمه.
- كيف؟؟
- أغمضت عيني بقوة، فانطفأت الشمس.
ضحكت أمه بشدة، ثم اخذته في حضنها.
البالونة
سَمِعتْ "ولاء" صوت الباب، فركضتْ اليه.
دخل أبوها، حاملاً كيساً، ثم انحنى ليحضن "ولاء" قائلاً.
- أحضرت لك الحلوى.
لكن "ولاء" لم تبتسم، ولم تفرح بالحلوى كعادتها.
سألها.
- ألا تحبين الحلوى؟
قالت "ولاء" وكأنها لم تسمع السؤال.
- لقد تأخرنا على البحر يا بابا.
أمسك أبوها رأسه بيديه، ثم قال.
- آسف يا حبيبتي، لقد نسيتُ أنني وعدتك بالخروج للبحر.
ثم سألها بسرعة.
- هل أنت جاهزة؟!
قفزت "ولاء" في الهواء وهي تضحك.
- أنا جاهزة وماما جاهزة.
خطفت كيس الحلوى من يدي أبيها وركضت لتستعجل أمها، كي يخرجوا كلهم للبحر، فاليوم
إجازة المدرسة، والأطفال كلهم هناك.
* * *
سألت "ولاء" أباها، وهو يقود السيارة.
- هل سيخرج وحيد للبحر؟
ضحك أبوها، لأنه يعرف أن "ولاء" تحب ابن عمها "وحيد"
حبّاً شديداً.
- هذه المرة سنخرج لوحدنا. المرة القادمة سنحضر "وحيد" معنا.
لكن "ولاء" حزنت. همست أمها لأبيها، بعد أن رأت حزن
"ولاء".
- لقد اقتربنا من البحر. سنجلس أنا و "ولاء" وتذهب أنت لتحضر
"وحيد". "ولاء" لن تفرح بالبحر إذا لم يكن "وحيد"
معها.
بعد أن ذهب أبوها، صارت "ولاء" تركض على رمل الشاطيء وتغني. بعد
أن تعبت، رجعت إلى أمها وجلست معها لتأكل الحلوى.
أمام "ولاء"، مرَّ بائع البالونات وهو يصيح.
- بالونات.. بالونات.
صاحب "ولاء".
- ماما، أريد بالونة.
سمعها البائع، فوقف.
قالت الأم للبائع.
- لا نريد.
فمشى البائع، وهو يصيح بالناس.
- بالونات.. بالونات.
حزنت "ولاء".
- ماما، أريد بالونة.
قالت أمها.
- ليس معي نقود يا حبيبتي.. إذا جاء أبوك، يشتري لك ما تريدين.
ردّت "ولاء".
- لكن البائع ذهب.
قالت الأم.
- سيعود، أو يجيء غيره.
ظلت "ولاء" حزينة.
* * *
مرَّ البائع أمام العائلة التي تجلس بجانب "ولاء" وأمها.
صاح أبو العائلة.
- يا بائع البالونات.
توقف البائع أمامهم، و"ولاء" تنظر اليه. اشترى لأطفاله عدداً من
البالونات.
قالت "ولاء" لأمها.
- سوف يشترون كل البالونات.
سمع أبو العائلة ما قالته "ولاء".
قال لها.
- تعالي.
قامت "ولاء". ولكن أمها منعتها.
- اجلسي.
فجلست.
اشترى أبو العائلة بالونة وأرسلها مع أحد أطفاله إلى "ولاء"..
طالعت "ولاء" الطفل وهو يقدم البالونة لها.
لم تستطع أن تبتسم. نظرت إلى أمها، فهمست لها.
- خذيها، وقولي له شكراً.
ابتسمت "ولاء". أخذت البالونة من الطفل، وقالت له.
- شكراً.
* * *
عادت "ولاء" إلى الركض والغناء.
صارت تركض وهي تمسك بأصابعها خيطاً يربط البالونة، والبالونة تتمايل في
السماء.
* * *
جاء أبو "ولاء" ومعه "وحيد".
- أين "ولاء"؟!
أجابته الأم.
- "ولاء" تلعب على الشاطيء.
ركض "وحيد" إلى الشاطيء، وهو ينادي بأعلى صوته.
- ولاء، ولاء.
سمعت "ولاء" صوت "وحيد".
ركضت اليه وهي سعيدة جداً بحضوره.
ارتخت أصابع يديها من شدة الركض والفرح، فطارت البالونة من بين أصابعها.
طارت البالونة إلى السماء.
توقفت "ولاء" وصارت تراقب البالونة.
عندما وصل "وحيد" اليها، صار يراقب معها البالونة.
طالعت "ولاء" وجه "وحيد"، وقالت له، وابتسامتها تزداد
شيئاً فشيئاً.
- لقد طارت البالونة!
الغـول
نظر الأبُ إلى أصابع الابن، الذي يأكل وجبة العشاء. قال الأب للإبن.
- أظافرك طويلة.
وضع الإبن الملعقة من يده ثم نظر إلى أصابعه، لكنه ابتسم وهو يراقبها
واحداً واحداً.
استغرب الأب، فسأله.
- لماذا تبتسم؟ هل يعجبك منظرها؟
رد الابن.
- نعم.
سأله الأب مرة أخرى.
- لماذا؟؟
أجابه الابن.
- لأنها قوية.
توقف الأب عن تناول العشاء، واقترب من الابن.
أمسك اصابعه ثم قال له.
- هذه الأظافر تجمّع الأوساخ.. ألا ترى؟
صار الابن يراقب الأوساخ المتجمعة داخل أظافره، لكنه لم يهتم.
قال الابن.
- الأوساخ تزول بالماء والصابون.
بدا الغضب على وجه الأب.
- اذا نظفت الأوساخ، تعود مرة أخرى إلى أظافرك.
طالع الابن في وجه الاب الغاضب.
- وماذ أفعل بها؟؟
ردّ الأب.
- قصّها.
قفز الابن من مقعده. طالع في وجه الأب، صارخاً.
- وأعيش بدون أظافر؟؟
قام الاب اليه. حضنه وهو يسأله.
- فيمَ تحتاج أظافرك؟؟
رد الابن.
- اذا هاجمتني الوحوش، أقتلها بأظافري الطويلة هذه.
ضحك الأب.
- لكنك تعيش معنا في هذا البيت. نحن لسنا وحوشاً، والبيت ليس غابة.
قال الابن.
- صحيح أنكم بشر، والبيت ليس غابة، ولكن هناك وحوش تهاجمني.
سأله الأب.
- متى تهاجمك هذه الوحوش؟!
ردّ الإبن.
- في الليل، عندما أنام.
* * *
انتهى الابن من تناول عشائه. غسل يديه جيداً بالماء والصابون، ونظّف أسنانه
بالفرشاة والمعجون. ذهب إلى الأب في غرفته، وقال له.
- تصبح على خير.
مشى الأب خلف الابن دون أن يشعر، فشاهده يدخل غرفة جدته. استمع الأب إلى
الإبن وهو يقول للجدة.
- هيا يا جدتي. أحكِ لي حكاية جديدة.
وسمع الاب الجدّة وهي تحكي للإبن حكاية الغول الذي يهاجم الأطفال اذا لم
يسمعوا الكلام، وعن الوحوش المفترسة التي تأكل الصغار وهم أحياء.
بعد أن انتهت الجدّة من حكايتها، فبّلت الإبن من خده، وقالت له.
- هيا، اذهب إلى غرفتك كي تنام.
* * *
في الغد، جلس الأب والإبن لتناول العشاء معاً. قال الأب للإبن.
- ما أخبار الوحوش؟
ردّ عليه الإبن.
- لن تقترب مني ما دمت أملك هذه الأظافر.
ضحك الأب قليلاً، ثم قال.
- بعد العشاء، سنجلس أنا وإياك كي نستذكر الدروس.
قال الإبن.
- لا أستطيع.
سأل الأب.
- لماذا؟
أجاب الإبن.
- لأنني بعد العشاء أستمع إلى حكاية جدتي، ثم أذهب للنوم.
قال له الأب.
- جدتك لا تعرف القراءة والكتابة. دعنا نجلس سوياً كي نراجع دروسك ثم اذهب
للنوم بعد ذلك.
* * *
بعد أن فاق الإبن من نومه في الصباح، ذهب إلى غرفة الأب. طرق الباب، فخرج
الأب، وسأل ابنه مستغرباً.
- ما بك يا بني؟!
بادره الإبن بسؤال آخر.
- لماذا منعتني من الإستماع لحكاية جدتي ليلة البارحة؟! لم يفكر الأب بأن
ابنه سيسأله هذا السؤال.
حكّ رأسه بإصبعه، ثم قال.
- كنت أريد أن أحميك من الوحوش التي تزورك كل ليلة.
حدّق الإبن في وجه أبيه قبل أن يسأله.
- وهل حكايات جدتي هي التي تجلب لي الوحوش؟!
ابتسم الأب.
- أظن ذلك.
وتابع قائلاً.
- لكن إياك أن تقول لها ذلك. إياك.
قال الإبن.
- وماذا لو سألتني هي؟؟
فكّر الأب قليلاً، ثم أجاب.
- قل لها أنني مللت من حكايات الغول الذي يهاجم الأطفال والوحوش المفترسة
التي تأكل الصغار وهم أحياء. اطلب منها حكايات جديدة، لا غول فيها ولا وحوش.
قاطع الإبن أباه.
- وحين تقول لي جدتي. أي حكايات تريد؟ّ ماذا أقول لها؟!
عاد الأب لحكّ رأسه.
- لن ألقنك ماذا تقول؟! اطلب منها أن تروي لك الحكايات التي تحب.
أخذ الإبن يوجه الكلام لأبيه وكأنه جدته.
- يا جدتي. أنا أحب أن تروي لي حكاية قبل النوم. لكن أرجوك اختاري واحدةً لا
غول فيها ولا وحوش.
ردّ الأب عليه مبتسماً ومقلداً صوت الجدّة.
- ولماذا لا تحب هذه الحكايات يا حفيدي العزيز؟!
أجاب الإبن.
- لأنها تهاجمني بعدما أنام. وأصير أدافع عن نفسي بأظافري الطويلة هذه.
وشدّ الإبن أصابعه وظهرت أظافره كأنها مخالب.
أكمل الأب دور الجدّة.
- يا إلهي. إن أظافرك مخيفة يا حفيدي. إنها فعلاً مخيفة. أعدك أنني لن أروي
لك هذه الحكايات.
سأل الإبن.
- وعد يا جدتي؟!
أجاب الأب.
- وعد يا صغيري. ولكن أتعدني أنت أيضاً أن تقص أظافرك؟!
أجاب الابن.
- وعد.
حضن الأب ابنه بسعادة غامرة، وأخذا يضحكان طويلاً.
كانت الجدة تراقب من خلف بابها، ما دار ين ابنها وحفيدها.
كانت تراقبهما وتبتسم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق