المسرح مقسم إلى نصفين. نصف مغطى بخيمة قماشية، عبارة عن قماش أسود
شفاف يغطي الواجهة والجانبين، باستثناء فتحة جانبية ضيقة باتجاه عمق
المسرح. النصف الثاني مفتوح أمام الجمهور، في مركزه بيضة عملاقة.
النصف المغطى بالخيمة القماشية تشتعل داخله شمعة، ويبدو من خلال
ضوئها، أن هناك شخصاً يجلس على كرسى خلف طاولة، ويتكئ بمرفقيه على طرفة الطاولة،
في حين يسند ذقنه على كفيه.
يدخل شخص آخر. يخطو بتثاقل. نسمع صوت الخطوات، ولا نرى سوى ضلاله على
القماش الأسود المضاء بواسطة الشمعة. ينتبه الشخص الأول. يقف. الشخصان يبدوان،
وكأنهما زوج وزوجة.
الشخص الأول (صوت الزوج): ما الذي سيحل بالنيزك الذي سقط؟! كيف سينجو
بنفسه من هؤلاء الجنود السفاحين؟!
الشخص الثاني (صوت الزوجة): سينجو، لا تقلق. (تصمت لبرهة) ما أخشاه،
هو أن يكتشفوا سبب سقوطه هنا بالتحديد؟!
الزوج (بقلق): ماذا تقصدين؟! هل تقصدين أنهم سيكتشفون أمرنا؟!
الزوجة: لقد ظللنا نختبئ، زمناً بعد زمن، جغرافيا تلو جغرافيا، ويبدو
أننا كلما محونا أثراً من جيل، انغرس في هوية الجيل الذي يليه.
الزوج: لن يكون بمقدور هؤلاء الجنود أن يصلوا لنا، طالما هبط جنيننا
برفقة النيزك إلى الأرض. أعين الجنود لن تحتمل بياض قشرته، خاصةً حين يكتمل القمر.
الزوجة (تستدرك): الليلة. الليلة، سيكتمل القمر.
الزوج: أجل، وستتشقق القشرة. ألا تذكر؟! ألا تذكر حديثنا تلك
الليلة؟؟ كانت تشبه هذه الليلة. (يعلو صوتها) ألا تذكر؟!
على الشاشة أعلى المسرح، يُعرض فيلم. نفس الشخصين، الزوج والزوجة
اللذين خلف قماش الخيمة هما اللذان يمثلان الفيلم.
الزوج يقبل على الزوجة، وهو يرخي الحبال التي كانت مشدودة على يديه.
يبدو وكأنه خارج من مبنى مهيب، اللقطات تعرض فخامة المبنى المتعدد الأدوار، وتعرض
نوافذه التي عبارة عن قضبان حديدية. اللقطة تركز على القضبان التي تخنق النوافذ.
اللقطة تعود على الزوجة، وتكون في انتظار الزوج اسفل الدرج. يهبط الزوج الدرج،
فتركض هي خارج الكادر. يلحقها، إلى أن يخرج خارج الكادر. اللقطة تنتقل مباشرة على
شقة صغيرة، تجهز فيها الزوجة الطعام على طاولة عليها كرسيان. الزوج يجلس على
الكرسي الأول، فيما تجلس الزوجة على الكرسي الثاني.
الزوج: ألن تسأليني عن تلك النوافذ؟!
الزوجة (تتحسس بكفيها بطنها): لقد أينعت البذور.
الزوج (يتذوق الطعام): لطالما كانت ثمارك شهية، لكن القمر يكتمل الآن.
يفز الزوج من مقعده.
الزوجة: هل حان رحيلك؟!
الزوج: أرحل كي أقود النيزك، لعل الحظ يحالفنا هذه المرة.
الشاشة تنطفئ.
الحوار يتواصل بين الزوج والزوجة داخل الخيمة.
الزوجة: ألستَ خائفاً مما سيجري، بعد أن تتشقق كامل القشرة؟!
الزوج (يقترب من زوجته): بلى. لكن الخلاص يعزيني.
(الشاشة أعلى المسرح تعرض لقطات لطيور جارحة تحلق فوق القرى، ونسمع
أصواتاً لصرخات أطفال مختلطة مع أصوات الرعد، ويأتي صوت الزوج ليغطي كل تلك
الأصوات).
الزوج: الخلاص طال، طال أكثر مما يجب. لقد فقأت النسور أضواءنا، منذ
رضينا أن تستبيح سماءنا. كنا نظن أنها ستحمينا من أفاعي الظلام، لكن السمَّ
استوطننا.
(اظلام على الشاشة)
الزوج (يكمل): وكل هذه النيازك تعدنا بالخلاص، لكنها لا تفي بوعدها.
(برق يشع من داخل البيضة العملاقة)
الزوجة (تفز واقفة): هل رأيت؟!
الزوج: ماذا؟!
الزوجة (تتهاوى جالسة): لا شئ. يبدو أنني مجهدة.
الزوج: أرجوك، تماسكي. كيف سندافع عن أنفسنا إن هم هاجمونا.
الزوجة (تبكي): سيجدوننا. ليست عليهم أن يرونا بأعينهم، سيقتفون أثر
رائحتنا.
(يدخل مجموعة من الجنود الذين يرتدون ملابس عسكرية معدنية تلمع بشدة،
يخفون رؤوسهم بخوذات فضية، تتوسطها فتحات زجاجية للرؤية، لكنها سوداء. بمجرد أن
يقفوا أمام البيضة العملاقة، يضعون أياديهم على أعينهم، يصرخ قائدهم)
القائد: أأتوني بها؟!
الجندي1: مَنْ يا سيدي؟!
القائد: تلك المرأة الخائفة: (يصرخ) أأتوني بها.
( نرى ضلال الرجل داخل القماش الأسود، وهو يحاول أن يخفي زوجته، دون
فائدة).
الجندي2: هل نقتحم بيتها؟!
القائد: إقتحموه.
(من خلال الفتحة في القماش، يدخل الجنود إلى الداخل، ونرى ظلالهم وهم
يحاولون أن يمسكوا بالزوجة، لكنها تصرخ وتقاوم. يحكم بعض الجنود قبضتهم على الزوج،
لكن الزوجة لا تزال تصرخ وتقاوم. نشاهد ظلالها، وهي تحاول أن تلتقط شيئاً من
الأرض، وحين ترفعه، نسمع صوت رعد شديد وأصوات طيور جارحة. تسقط الزوجة على الأرض.
صمت تام. الجنود يخرجون من القماش الأسود، وهم يقتادون الزوج. الجنود والزوج أمام
القائد. كلهم أمام البيضة العملاقة. تنطفئ الشمعة داخل القماش الأسود، فيظلم الجزء
الأيسر من المسرح. صمت تام. برق ثان يشع من داخل البيضة العملاقة. القائد والجنود
يضعون أياديهم على أعينهم. برق ثالث ورابع، ثم إظلام تام.
على الشاشة أعلى المسرح، لقطات لبراكين وزلازل، يتخللها نفس صراخ
الأطفال في اللقطات السابقة. اللقطات تستمر لحظات، ثم تهدأ تدريجياً إلى أن يتوقف
كل شئ.
إظلام تام.
الإضاءة من داخل البيضة العملاقة، تتقشر الطبقة الخارجية، وكأنها
استجابة للزلازل. تتساقط القشرة، ويظهر مخلوق مغطى بالشاش الأبيض، الملطخ بالدماء.
الإضاءة مركزة عليه.
المخلوق يقف في مواجهة الجنود الذين يتراجعون إلى الخلف قليلاً، ثم
يبركون ببطء وخوف على ركبهم. يلتفت المخلوق بقوة شديدة باتجاه اليمين، ويبدو يحدق
في القماش الأسود. يمشي بطريقة متثاقلة، يرفع كل قدم بتثاقل، إلى أن يصل إلى
الفتحة الخارجية للقماش. يطل في الداخل لبرهة، ثم يخرج رأسه. يرفع رأسه إلى السماء
ويصرخ صراخاً شديداً.
المخلوق: يا نيززززاااااااااااااااااااااااااااااااااك.
تتداخل مع صرخته، صرخات الأطفال التي كنا نسمعها في اللقطات
السينمائية.
يستغل القائد فرصة صراخ المخلوق، فيصوب سلاحه الالكتروني باتجاهه.
وقبل أن يطلق النار، يشهر الجنود أسلحتهم باتجاه قائدهم، ويطلقون النيران الضوئية
الالكترونيه عليه، فيخر صريعاً.
المخلوق يمشي بنفس الخطوات. يعبر أمام قشور البيضة العملاقة، ليغيب في
عمق المسرح، يتبعه الجنود مطاطئ رؤوسهم.
ينهض الزوج. يجس نبض عنق القائد، ليتأكد أنه مات.
يجول الجزء الأيمن من المسرح، ثم يدخل الجزء الأيسر المغطى بالقماش.
نرى ظلاله وهو ينثني على ركبته، ويرفع جسد زوجته.
الزوج: هل رأيتِ كم يبدو وسيماً، يشع النور منه؟!
الزوجة: من تقصد؟!
الزوج: هو، ألم تشاهديه يطل برأسه، كي يطمئن عليك؟!
الزوجة: أنا الآن جثة بين يديك. ألا تشعر ببرودة جسدي الذي فارقته
الروح؟! ألم تلمح البياض الذي يعلو وجهي، والحياد الذي يغمر ملامحي؟!
الزوج: لقد وفى بوعده. وفى بالوعد الذي انتظرتِ طويلاً كي يحققه لك.
الزوجة: يا نيزززززززاااااااك.
يضع الزوج جسد الزوجة على الأرض. نلمح ظل الزوج، وهو يحفر الأرض.
الزوجة: سيتجمهرون حول صوته، وسيأملون أن تشعل كلماته فتائلَ
الهجرة.
الزوج (وهو لا يزال يحفر): سيهاجرون؟!
الزوجة: لا مناص من الهجرة.
الزوج: أهي الخلاص؟!
الزوجة: (ترفع رأسها) هاهو . إنني أراه، أسمعه. يالله، ما أوسمه. ما
أعذب صوته، وهو يتحدث لشعبه.
(جسد الزوجة يرتفع في الهواء، ويغيب في السقف)
(الزوج يتوقف عن الحفر. يمشي بتوجس باتجاه فتحة القماش. يطل برأسه
ليراقب ما يجري)
(بعض الجنود يكنسون القشور المتساقطة، وبعضهم الآخر يضع كرسي العرش في
وسط الجزء الأيسر من المسرح، مكان البيضة العملاقة. يدخل المخلوق بعد أن زال الشاش
عن كل جسده، ولم يتبق سوى ما يغطي ذراعيه، مع بعض بقع الدم التي كنا نراها سابقاً.
لا يرتدي المخلوق سوى مئزر ونعال جلدي. شعره غزير، يصل لمنتصف كتفيه. بنيته صلبه،
وهامته شامخة.
يعتلي المخلوق العرش. الزوج يحدق فيه من خلال فتحة القماش الأسود،
وعلى وجهه ملامح الإعجاب).
المخلوق (مخاطباً الجنود، بحزم وثقة): يجب أن نكون مستعدين للكارثة.
(يصمت
الجميع. يراقب الزوج وجوه الجنود وهم في وضعية ثني ركبهم على الارض، ثم يركز نظره
على المخلوق)
الجندي1: لا طاقة لنا به يا سيدي.
الجندي2: لنهاجر.
الجندي3: سر بنا، ونحن خلفك.
(من الباب الجانبي للمسرح، باب دخول الجمهور، يدخل القائد، وهو ينفض عن
ثيابه قشور البيضة العملاقة).
المخلوق: لن نهاجر. سنبقى.
القائد ينتبه. يحول بصره إلى خشبة المسرح. وبمجرد أن يرى المخلوق، يدس
نفسه بين كراسي الجمهور.
(المخلوق يشعر بالجلبة. يقف ويشق الجنود، باتجاه منتصف المسرح. يصبح في
مواجهة الجمهور.
المخلوق: من هناك؟!
(يقف الجنود. يتمركزون في مواجهة الجمهور، خلف المخلوق).
الجندي1: سنجده أمامنا في كل زمان ومكان. لكننا سنفتديك بدمائنا.
الجندي2: كلنا فداء لك.
(القائد يتحرك من مخبأ إلى مخبأ بين الجمهور. المخلوق يتابع تحركاته،
ثم يتجاهله. يعود ليجلس على عرشه، ويعود الجنود ليجلسوا أمامه، بنفس الهيئة
السابقة. الزوج يندفع هائجاً من داخل فتحة القماش الأسود. يتوسط المسرح، باحثاً
بعينيه بين الجمهور. يركض هابطاً درج المسرح إلى كراسي الجمهور. إظلام على المسرح.
إضاءة على الجمهور. أصوات الطيور الجارحة والرعد وصرخات الأطفال.
الزوج (صارخاً في وجوه الجمهور): ما لكم كيف تصمتون؟! لقد تبيّن
الخيط، فالبسوا الحق واهرعوا لنجدة الطريق. لقد ذرفتْ المدن المتلاحقة تاريخها على
القارعة، فما لكم؟! اهتزت الأض وربت، فارتاب البحر بشواطئه، ومحا سفنه، ثم غادر
حافياً عارياً، تتبعه الحيتان إلى غير رجعة. ما الذي بقى، غير فواصلَ تتناحر بين
كلماتكم، لتريق الدم من معانيكم؟! (يزداد صراخه حدةً) ما لكم؟!
(المخلوق يفز واقفاً. الزوج يتنقل من صف إلى صف، والقائد يهرب إلى أن
يمسك الزوج به. صمت تام. يجر الزوج القائد خلفه،إلى أن يصل إلى درج المسرح. قبل أن
يصعد، يباغته القائد بطعنة تخترق ظهره).
المخلوق (يقف بقدميه على العرش، ويصرخ بأعلى صوته، رافعاً وجهه
وذراعيه للسماء): يا نيزززززززااااااااااااك.
الشاشة تعرض زلازل وبراكين.
في هذه الأثناء قاعدة العرش تسقط، فيسقط المخلوق داخل العرش، بين
قوائمه الأربع.
الجنود تتحلق حول العرش، يطلون داخله، وكأنهم سيدخلون خلفه. يظلون
هكذا، كأنهم مسحوبين للأسفل، لا تظهر سوى أنصاف أجسادهم.
العرض السينمائي يتوقف تدريجياً.
القائد يصعد على خشبة المسرح، يتوسطها في مواجهة الجمهور.
القائد (بانفعال): كيف أجعلكم تؤمنون بأنكم تسيرون في الطريق الصحيح؟!
من طلب منكم أن تشغلوا عقولكم بحماية بيوتكم؟! باستثمار أموالكم؟! بتعليم
أبنائكم؟! (يهدأ قليلاً) أنا هنا لكم، كما كنت دوماً. لقد أعطيتموني مفاتيحكم،
فمزجتها مع كل مفاتيح الأرض، ليكون هناك مفتاح واحد لنا جميعاً. (يتحدث بشكل أبوي)
لولاي لما صرتم كائنات تشبه كل الكائنات الأخرى حولنا، تأكلون مثلهم وتنامون مثلهم
وتنجبون مثلهم، وتسيرون في نفس الطريق، وخلف نفس القائد. (ينفعل مرة أخرى) وهاأنتم
تنحازون للنيزك، ولسلالة النيزك. (ينفعل أكثر) لا تقولوا بأنكم لم تنحازوا له
ولجنينه. أنا أعرفكم. لطالما كنتم جمهوري (يقولها بحب). أنتم ميالون لمعرفة ما
يجري في الطرق الأخرى. (يهدأ) صدقوني، لا يجري فيها إلا الدمار، صدقوني. (يصمت
لبرهة). يبدو أنكم لن تصدقوني. ومع ذلك، سأحرص على سلامتكم. لن أدعكم تهلكون
أنفسكم. (ينفعل) هيا. أخلوا المكان. السقف سيتداعي (ينظر الى الأعلى بخوف).
سيتداعى، وسيسقط. لا أظنكم تودون أن تكونوا تحت أنقاضه. هيا (الشاشة تعرض لقطات
الزلازل والبراكين). (يشير إلى الشاشة) أرايتم؟! النيزك التالي يقترب، هيا، انجوا
بانفسكم، وخذوا حذركم من جنينه، لا تدعوه يصل للعرش. هيا أخرجوا.
ينزل القائد للمسرح، ويقوم بنفسه بإخراج الجمهور بالقوة.
في الخارج، يرى الجمهور من بعيد، المخلوق وهو يستند على الزوج،
وكلاهما يمشيان بصعوبة.
من بين الجمهور، يتدافع الجنود، ليلحقوا بهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق