الخميس، 11 فبراير 2021

الخطوات

قصة للأطفال

الخطوات

جدتي مشلولة.
منذ أن تفتحتْ عيناي على الدنيا، وهي تستلقي على فراشٍ قطني، في ركن غرفة صغيرة بجوار غرفة أمي.
أمي تعتني بجدتي كثيراً.
أنا أحب جدتي وهي تحبني وتحب أخي وتحب أمي.
جدتي تستيقظ في الصباح الباكر. تصلي في مكانها. وبعد أن تشرق الشمس، تنادي أمي بصوت عالٍ ومبحوح.
-      يا موضي، يا موضي.
تنهض أمي من النوم على صوتها. تفتح بابها ثم تتوجه إلى فراش جدتي. تقبّل يدها ثم تطرق بابنا لكي نفيق من النوم، ونقبّل يد جدتنا.
قبل أن أخرج أنا وأخي إلى المدرسة، تقرأ آية الكرسي وتجعلنا نردد الكلمات خلفها، وبعد أن نعود تضمنا إلى صدرها وتسألنا.
-      كيف المدرسة؟!
عندما أحفظ واجباتي، أذهب اليها وأقرأ الدرس لها عن ظهر قلب.
هي لم تدخل مدرسة في حياتها، لكنها تحب أن "تسمّع" لي دروسي. أرى على وجهها غيمةً بيضاء من الفرح عندما أكون حافظة درسي.
تأخذني إلى حضنها وتمسح على شعري وتقول.
-      أتمنى أن أراكِ وقد تخرّجت من الجامعة.
في بعض الأحيان، أتشاجر مع أخي، فأذهب إلى جدتي لكي أشتكي لها، فتنادينا معاً وتهمس لنا.
-      إذاً تشاجرتما ثانية، لن أسمح لكما بدخول غرفتي.
نحاول ألاّ نتشاجر حتى لا تحرمنا من دخول غرفتها، لأنها في ليال كثيرة، تجمعني أنا وإياه، وتقص علينا حكايات عن جدي.
"كان من أشجع الرجال. يحب أهل قريته المزارعين ويحبونه. كانوا يجتمعون في بيته كل مساء ويتدفأون بكرمه. لم تكن الإبتسامة تفارق وجهه. ينصر المظلوم ويحارب الظالم حتى يهزمه. لم يرفع صوته يوماً عليَّ. وعندما استلقى على فراش الموت، نظر في عيني قائلاً؛ سامحيني".
كل الحكايات التي تحكيها جدتي كانت عن جدي، وكنا نحبها ونتلهف لسماعها. كيف خنق ذئباً بيديه، كيف مشى على قدميه من القرية إلى المدينة ليجلب دواءً لمريض، كيف امتنع عن الطعام والشراب ثلاثة أيام عندما مرضت أمه، كيف دفع كل ما يملك من مال ليخرج صديقاً له من الحبس، وكيف كان يحرص على تحفيظ أهل القرية القرآن الكريم والأحاديث النبوية والمعلقات الشعرية.
في بيتنا سراج واحد، هو جدتي،
جدتي المشلولة، التي تمشي كل يوم في قلوبنا بخطواتٍ لا يستطيع أحدٌ في الدنيا أن يمشيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أُقبِّلُ شَجرتَكِ مَضتِ السنّةُ الخامسة،  وهاهي شَجرتُكِ تكبر، بَذرْتُها في العاشرةِ وخمس دقائقَ من صباحِ الخميس، الثلاثين من شهر كانون الثا...