الثلاثة
تسعونَ يوماً على غيابِ أخي،
غابَ بعدَها أقربُ رفيق،
ومِنْ قبلُ تناثرَ الأصدقاء.
تسعونَ يوماً، كنتُ أرتجفُ خلالَها حينَ أقفُ أمامَ الطريقِ الذي كان يألفُنا، ويلوّحُ لخطواتِنا التي اعتادتْه.
في المرَّةِ الأولى، عجزتُ عن الخروجِ من منزلي إليه.
في المرَّة الثانية، وضعتُ قدميَّ على بدايتهِ، فخانتني ركبتاي.
في المرَّة الثالثة، مشيتُ بضعَ خطواتٍ منهُ، فغاصتْ قدماي في الرمل.
لم أستطعْ.
صورُهُ في طفولتِنا وشغِبنا ومدارِسنا، لا تكادُ تغيب. أحاولُ أن أؤجلَها من اللَّيل إلى الفَجْر، من الفجرِ إلى الضُحى، أو من الضُحى إلى الظهيرة كي أحتمل، لكنَّها تختارُ أوقاتِها، وكلُّ صورةٍ تقود إلى صورة، تقودُ إلى صورة، حتى ينتهي الأمرُ بصورهِ الأخيرة، وقد أخذ منهُ الألمُ أعمقَ مأخذ، وركَزَ الموتُ رايته السوداء بين كتفيهِ، جهةَ ظهرِه.
انكسرَ ظهري.
أسحبُ ساقيَ اليُمنى من الرمل، فتَغوصُ اليُسرى.
كانا رفيقيَّ اللذين يأنسانِ نفسَ الطريق، ويأنسهُما.
في كل حديث، يكون كلٌّ منكما حاضراً، وهو لم يحضر قط. أكادُ أشعر بكلٍّ منهُما، يرى الآخرَ وكأنَّهُ أنا، نفس ملامحي، ونفس صوتي، ونفس بهجتي ونحنُ نقتربُ من بلدةِ الرحلة، وفي الرحلةِ نفسها.
انتهت رحلتُهُما، فكيفَ للطريقِ أن يَحتملَ وِحدتي؟!
كيف لَهُ أن يَطوي المسافةَ بالسرعَة التي كانتْ تنطوي؟! مِنْ أين لي حكاياتُ طفولةٍ غاب عني بعضُها؟! أو مِنْ أينَ لي قصصُ جنوبٍ مكتوبةٍ لبهاءِ الشرق وفتنةِ الغرب ونشوةِ الشمال؟!
من أينَ لي؟!
هاهما اليومَ قد غابا في الغياب؛
بينَ غيابِهِما أشهرٌ ثلاثة، بِعددِنا!
10 سبتمبر 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق