السبت، 13 فبراير 2021

يأفلُ في وشوشات، يبزغُ من قنديل

 يأفلُ في وشوشات، يبزغُ من قنديل

 

همستُ له، وأنا أرخي خصلات توقي على كتفه.

- لنبقَ هنا الليلة. غداً ستتركني. وستخلو كفي من كفكَ، وطريقي من عينيكَ اللتين لم تغادرا حنطةَ وجهي منذ حطتْ الطائرة بخطواتكَ المتلهفة لمدينتي البعيدة، ولذراعيّ اللتين كانتا تنتظران صدرَك المزروع بي.

ابتسمَ بوداعة طفلٍ أدركَ الفرق بين قطعتي الحلوى، فتطاير السُكّرُ من بين أهدابه، ثم قال.

- كنتُ أريد أن أرصّعَ تاج ليلينا الأخيرة بفيروز يشعّ بالناس، فيُحيلهم إلى شهود. أوميء لهم بأوردتي ليصفقوا لك.

- ألا يكفي أن يصفق المحيط الهادر الآن لنا على بُعْد شرفة منا؟!

كانت غرفتانا الملتصقتان تطلاّن على المحيط الأطلنطي. وكان يرجوني كل ّليلة أنْ أمكثَ صاحية إلى أن ينتصف القمر في سماء الشرفة.

كان يُبررُ.

- أنا لست رومانسياً، لكنني أحبُ هذا الكوكب.

- بل أنتَ رومانسي حتى منابتِ الدم في عظامك.

أحببتُ هذا الطائش منذ خمس سنوات. كنتُ أعرف، قبل أن أتعرّف عليه، أنه مخبولٌ يرتدي ثياب الحكمة الغنائية، تلك التي لا يمكنُ تفسير أوتارها.

صادفته ذات استراحةٍ جماعية، في المصلحة التي نعمل فيها سوياً، وفتحتُ له باباً يعلم الجميع أنه يعشقه.

- لا أعتقدُ أن كُتّابنا العرب استطاعوا أن يجسّدوا واقعَهم، كما فعل كتّاب أمريكا الجنوبية مثلاً. استدار بكامل أذنيه إلى كلامي، وبدا كَمَنْ يريد أن ينجو من رتابة أحاديث صديقاته الأخريات.

- لمن قرأتِ من هؤلاء الكتّاب؟!

- لكثيرين. ماركيز وأمادو وبورخيس وخوليو كورتاثار وجاك رومان واستورياس وأليخو كاربنتييه.

وأضفتُ، راسمةً دهشة مصطنعةً.

- هل أنت تختبر ثقافتي؟!

- أبداً يا عزيزتي، أنا فقط مغرمٌ بكتّاب هذه القارة السحرية.

منذ ذلك اللقاء، المحفوف ببرد نيسان، وأنا مسحورة بدفئه.


ـــــــــــــــــــــــــــ

من كتاب "مجرى الشتات ومرساه"، المتوفر كاملاً في المدونة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أُقبِّلُ شَجرتَكِ مَضتِ السنّةُ الخامسة،  وهاهي شَجرتُكِ تكبر، بَذرْتُها في العاشرةِ وخمس دقائقَ من صباحِ الخميس، الثلاثين من شهر كانون الثا...