الجمعة، 6 سبتمبر 2024

 طريقٌ يَتصَفّحُ الرصيف


بضعُ سنين

حزينٌ مثلَ مدينةٍ نهريةٍ

غدرَ فيها النهر!

حزينٌ مثلَ سماءٍ وعدَها الغيمُ بخيامٍ مديدةٍ من الماءِ،

ثم لم ينصبْ خيمةً واحدة!

حزينٌ

ووحيد.

غادرني هذا الصباح،

فدخلني الليل، 

أظلمتُ، 

وظلمني سريري الذي صارَ لا يفهمُ صوتَ جسدي، وهو يئنُّ باسمِهِ.

فباسمِ الليلِ، 

والسريرِ،

باسم الظُّلمِ والظلامِ،

أفتتحُ الوقتَ الذي سيفتقدُ مواقيتَهُ،

الوقتَ الذي سيناديهِ باسمي، فيلتفت له، دونَ أن يجدَه!

باسم الذي ظلَّ كالموسيقى،

ثلاثةَ أيامٍ وهو يتباهى بألحانه،  ليكونَ كوناً كاملاً،

كالسمواتِ والأرضِ وما بينهما،

كانَ هو بينهما.

كوناً كاملاً.

وكنت في كل الأمكنة، أتصيّد صورتَهُ لكيلا يخونني الطينُ الذي جاء بهيئته. 

هو الآدميُّ الذي قالَ لي

-لا بأس، سأزرع بضعَ سنينَ دأباً، اصبر.

أصبرُ،

أصبرْ.

لكنني اليوم، قبل أن يغادرني، فقدتُ صبري،

وسقطتُ.

كالرملِ تناثرتُ،

لم أستطعْ جمعَ نفسي.

وضعتُ حقائبَهُ على الرصيف،

وعدتُ مسرعاً قبل أن ينتبه،

إلى نفسِ السرير،

نفس الظلمِ والظلام.

***


العاجلة

يسيلُ الدَّرجُ،

درجةُ تلو الدرجة،

إلى أن يغدو بقعةَ رملٍ تحتَ قدميك.

كيف ستصعد؟!

ها هم هناك، 

في الأعلى.

يختارونَ لكَ طريقك،

ينتظرونَ وصولكَ كي يسلموكَ الراية.

أحدُهم قال:

إنَّهُ خلاصُنا، فلينقذْنا.

ابتسمَ آخر:

بل هو نهايتُنا، فليعجّلْ بها.

وأنتَ هناكَ،

في الأسفل، تتفحصُ الرملَ المختلطَ بقماشِ الراياتِ المُفَتَّتَة.

***


شقة بيضاء

يقفُ أمامَ اللوحة، يستعرضُ حياتَه.

ثمَّةَ شبهٌ بينَ اللونِ الأبيضِ الذي يسيلُ من الأعلى، وبينَ خطواتِهِ الصباحية.

كلُّ خطوةٍ تتآمرُ مع الأخرى، لكي يستديرَ من طريقِهِ للمكتبِ باتجاهِ شقته.

هي ليستْ شقة. 

هي مستودعُ جسدِه. وربما هو مستودعُها.

لا أمانَ يشعرُ به، إلا حينَ يدفعُ بأصابعِهِ بابَها، فيجدُها تفتحُ ذراعيها له. وبكلِّ ما تلوثتْ به ثِيَابه، يدخل.

في كلِّ مساءٍ من مساءاتِ عودتِهِ، يحرقُ ملابسَه،

وعارياً يظلُّ، لكي يراقصَ وحدتَه.

ودائماً، هناكَ اللوحة.

هي التي يغرقُ بين حَوَافّهَا، دونَ أنْ يتبللِ شعرُه.

هي التي تنقذُ رئتيهِ، دونَ أن تنعشَه.

هي التي تتوسلُ إليه:

-أخرج!

-إلى أين؟!

-إلى حيثُ لا أراكَ، وأنتَ تذرفُ حياتَكَ على خطوطي وألواني. 

-لا حياةَ لي هناك. حياتي تحتَ ظِلّك.

-أحَقَّاً تأملُ أن أقيكَ شمسَك؟!

-ماؤكِ ردائي. أسترُ بِهِ عطشي، وألملمُ به شتاتَ كواكبي. خرجتُ طويلاً. وها أنا أمامَكِ، جروحي تفوقُ أوراق تقويمي. 


تتنهدِ اللوحة، 

تطفئُ لونَها الأبيضَ، وتذهبُ للنوم، بينما يسهرُ أمامها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أُقبِّلُ شَجرتَكِ مَضتِ السنّةُ الخامسة،  وهاهي شَجرتُكِ تكبر، بَذرْتُها في العاشرةِ وخمس دقائقَ من صباحِ الخميس، الثلاثين من شهر كانون الثا...